“انطلاقاً من آلية التفكير بالأصل، التي تؤسس للعجز العربي الراهن، من خلال تدشينها لنظام العقل التابع، إنما تجد ما يؤسسها في قلب البناء الأصولي لكل من الشافعي والأشعري، فإن هذه القراءة تجادل بأنه لا سبيل للانفلات من عوائق تلك الآلية، وآثارها التي لا تزال تتداعى حتى اليوم, استبداداً وتبعية، إلا عبر الارتداد بما يقوم وراء أصول الرائدين الكبيرين من الشرط المتعالي والمجاوز الذي جرى الإيهام بأنه - وليس سواه - هو ما يقوم وراءها، إلى الشرط الإنساني المتعيّن الذي يكاد - منفرداً - أن يحدد بناءها ويفسره، والذى تتجاوب فيه - على نحو مدهش - كل أبعاد الواقع الإنساني وعناصره، من النفسي والاجتماعي والسياسي والمعرفي. وبقدر ما يؤكد هذا التجاوب على إنسانية الشرط الذي انبثقت في إطاره أصول الرائدين، وبما ارتبط بها من آليات وطرائق في التفكير، فإنه يقطع - بذلك - بإمكان تجاوزها الانفلات من سطوتها.وهنا، يلزم التنويه بأن هذه القراءة لا تسعى إلى إنجاز ما هو أكثر من التاكيد على إمكان هذا الارتداد من "المتعالي" إلى "الإنساني”.”

علي مبروك

Explore This Quote Further

Quote by علي مبروك: “انطلاقاً من آلية التفكير بالأصل، التي تؤسس للعجز … - Image 1

Similar quotes

“تنبني مُحاججة هذا الكتاب على أن دولة الإرادة المشخصة التي تغطي بعوارها واستبدادها الفضاءات الواسعة لعالم العرب الراهن، إنما تجد ما يؤسسها، واعية أو غير واعية، في الأغوار السحيقة للخطاب الذي تسيَّد فضاء الثقافة في الإسلام؛ والتي ينصهر فيها السياسي مع العقائدي والأنطولوجي؛ وأنه من دون اكتناه ما يتفاعل في هذه الأغوار، والوعي بما تنطوي عليه ويشتغل فيها، وتفكيكه، فإنه لن يكون الانتقال ممكناً أبداً من دولة الطغيان والقمع إلى دولة القانون والشرع، بل سيبقى الاستبدادا عتياً، يعيد إنتاج نفسه من وراء زخارف الديقراطية والحداثة وأكثر زركشاتها لمعاناً وبريقاً”


“الشرط الإنساني هو الأساس المنطقي للانتقال من لحظة إلي أخري في تركيب ظاهرة الوحي( حتي لا يصار إلي رد هذا الانتقال إلي تغيرات تطرأ علي الذات الإلهية كمصدر للوحي), فإن تنزيل الوحي داخل لغة ما( واللغة ليست محض وسيط اتصال محايد, بل نظام تفكير كامن خلف الألفاظ والعلاقات التي تقوم بينها), إنما ينطوي علي تحدد الوحي بهذا النظام الكامن. ومن جهة أخري, فإن كون الوحي يكون حواراً مع واقع المخاطبين به, إنما يكشف عن تحدده بما يمثل تاريخهم الحي. وبالطبع فإن ذلك يعني أن الوحي لا يفرض نفسه كبنية مغلقة ومطلقة تعلو علي البشر( تفكيراً وتاريخاً), بل كتركيب يقوم علي الحوار المفتوح مع تاريخهم ونظام تفكيرهم. وهكذا, فإن الوحي الذي يتخفي الكثيرون وراءه من أجل تثبيت رؤاهم الخاصة كمطلقات لا تقبل التجاوز, يبين- هو نفسه- عن روح تخاصم الأطلقة وتأباها. وللمفارقة, فإن ذلك يعني- بوضوح وصراحة- أن الوحي ليس هو الأصل المنتج للأطلقة( كآلية تفكير تسود فضاء التفكير العربي من دون تمييز بين تراثي وحداثي), بقدر ما هو أحد أكبر ضحاياها”


“تدرك السياسة, وخصوصاً حين تكون قامعة مستبدة، أن العقل المنفتح غير المقيد هو أخطر ما يتهددها؛ وذلك من حيث يؤشر علي أن نقيضها من الحكم الرشيد هو المؤدي- وليس سواه- إلي تحقيق صالح المجموع، ومن هنا ما تسعي إليه، علي الدوام، من إزاحته وإبعاده.وإذ تدرك استحالة إنجاز هذا الإنجاز بما تمتلك من وسائل الترويع والبطش، فإنها تتوسل بالدين والشرع لتضعهما في مواجهة معه، وللغرابة، فإن ذلك لا ينتهي إلي إسكات صوت العقل فحسب، بل إلي تهديد منظومتي الدين والشرع علي نحو كامل.”


“إذا كان الوضع الذي ساد في عالم الإسلام لترتيب العلاقة بين العقل والنقل; وأعني بالكيفية التي ظل معها العقل تابعا لسلطة النقل علي نحو شبه كامل, هو ما يؤسس لهذا التصور الغالب عن قصور العقل واحتياجه, فإن أصل هذا الوضع لا يرتد- علي عكس ما يتبادر سريعا للذهن- إلي الإسلام نفسه, بل إنه يجد ما يؤسسه كاملا في قلب الثقافة السابقة عليه, والتي يبدو- وللمفارقة- أن الإسلام قد قصد إلي زحزحة وإزاحة نظامها الكلي, علي الرغم من إدماجه لبعض عناصرها الجزئية في صميم بنائه. فإنه إذا كان التحليل يكشف عن أن من قاموا علي صياغة التيار الغالب في ثقافة الإسلام( الذين يتناسلون في سلالة ممتدة من علماء الأصول الكبار من مثل الشافعي وابن حنبل والأشعري والباقلاني والجويني والغزالي وابن تيمية وغيرهم) قد كرسوا تبعية- تتفاوت حدودها- من العقل للنقل, فإنه يبدو- وللغرابة- أن الترتيب الذي كرسه هؤلاء المؤسسون الكبار للعلاقة بين العقل والنقل, يمثل انحرافا عن ترتيب العلاقة بينهما الذي ينبني عليه فعل الوحي ذاته; وهو الفعل المؤسس للإسلام كدين.”


“يتبدي الوحي، إذن، لا بوصفه من قبيل المعرفة المعطاة المفروضة على الوعي كسلطة لا سبيل أمامه إلا لمحض الإذعان والخضوع لها، بقدر ما يمثل نوعاً من الاستجابة الخلاقة المطلوبة لوضع إنساني مأزوم لا يقدر الوعي؛ الذي هو بنية تطورية في جوهرها، على التعاطي معه في مرحلة دنيا من مراحل تطوره. وهكذا فإن الوحي يتبلور كسند ومعين للوعي، ونقطة ارتكاز يستند إليها في سعيه إلى تجاوز أزمة واقعه، ولا يتبلور أبداً كضد ونقيض يفرض نفسه كسلطة متعالية لا يملك الوعي إلا محض التبعية لها.”


“لعل أخطر ما يجابه أي تجربة في التحول الديمقراطي هو التعامل مع الأفكار بصرف النظر عن نوعها ومصدرها- كمطلق ينبغي تكراره; وأعني من حيث ما تنطوي عليه الإطلاقية, عموماً, من الإهدار الكامل للفكرة الإنسانية.وإذا كانت الفكرة الدينية هي الأكثر إغراء بالتعامل معها كمطلق, فإن تحليلاً لظاهرة الدين والوحي, علي العموم, ينتهي إلي وجوب الوعي بدخول العنصر البشري, علي نحو حاسم, في التركيب المنطقي واللغوي والتاريخي لتلك الظاهرة; وعلي النحو الذي يستحيل معه استيعابها خارج تحديدات الشرط الإنساني أبداً”