“وما دمنا هنا في صدد الادب الروائي الذي يتناول بالعرض والمعالجة العلاقات "الحضارية" بين الشرق والغرب، فان العامل الاخير، اي المثاقفة، يبدو حاسم الاثر في الباس تلك العلاقات الحضارية المزعومة رداء ومضمونا جنسيين.ان عملية المثاقفة، بافتراضها وجود طرفين موجب وسالب، فاعل ومنفعل، ملقِح وملقَح، تطرح نفسها على الفور كعملية ذات حدين مذكر ومؤنث. ولكن نظراً إلى أن الثقافة الحديثة -نظير القديمة- هي في الاساس والجوهر ثقافة ذكور، فان المثاقفة لا توقظ في الطرف المتلقي احساساً بالدونية المؤنثة بقدر ما تبعث فيه شعوراً مرهقاً بالخصاء الفكري والعنة الثقافية.ص 11”
“فنظراً إلى أن علاقات الرجل بالمرأة في ظل الحضارة الأبوية -التي هي حضارتنا- كانت منذ ألوف السنين ولا تزال علاقات اضطهاد وسيطرة، فإن سحت "طبيعة" تلك العلاقات على العلاقات بين الإنسان والعالم يقدم تبريرات ممتازة لتحكيم مبدأ الاضطهاد والسيطرة في علاقات الإنسان بالعالم، أي علاقات الإنسان بالطبيعة وعلاقات الإنسان بالإنسان سواء بسواء.والعكس صحيح إلى حد مدهش أيضاً. فبما أن علاقات الإنسان بالعالم، أي علاقاته بالطبيعة والإنسان معاً، كانت إلى يومنا هذا علاقات اضطهاد وسيطرة، فإن سحب طبيعة هذه العلاقات بين الرجل والمرأة يقدم تبريرات ممتازة لاستمرار هذا في اضطهاد هذه والسيطرة عليها.هي إذن دائرة محكمة الإغلاق. وهي تكرر نفسها أو تتعدد حلقاتها إلى ما لا نهاية حيثما وجدت علاقات اضطهاد وسيطرة وعنف. فالحرب رجولة، والسلام أنوثة. والقوة رجولة، والضعف أنوثة. والسجن للرجال، والبيت للنساء.ص 6”
“قد يقال ان تجنيس العلاقات الحضارية في الرواية يمتثل لضرورة فنية ورمزية. وهذا صحيح، ولكنه لا يكون مقبولاً الا على اساس واحد، وهو تصور العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تساو وتشارك وتكامل، لا علاقة سيطرة وتحكم من جهة، ورضوخ وانقياد من جهة ثانية. ولسوف نرى من خلال النماذج القصصية التي سنحللها ان العكس هو الواقع: فالتجنيس فرضته بالفعل ضرورة الترميز الفني، ولكن ما لا يجوز ان يغيب عن البال ان منطق الرمز هو في الوقت نفسه رمز لمنطق: منطق رجال في عالم رجال وثقافة رجال ورواية رجال. والادهى من ذلك انهم رجال "شرقيون".ص 17”
“هنا يلجأ المثقف الشرقي مرة ثانية الى اقامة علاقة تساو وتماه غريبة في نوعها. فكما انه رد على التحدي الغربي لرجولته الثقافية بشهره غالباً سيف ذكورته كذلك فانه سيقيم وحدة هوية بين الانثى الغربية وبين الغرب، فيستحيل هذا الاخير الى مجرد فرج.”
“الظلامية هى مثل الثورات، بل أكثر من الثورات ، فى قسوتها على أبنائها . فإن كانت الثورة تنتهي بأكلهم ، فأن الظلامية تبدأ به . فهى لاتطيق وجود متنورين حتى فى صفوف دعاتها.”
“لنلاحظ استمرارية قدسية العدد اثني عشر بين الديانات التوحيدية الثلاث:أسباط بني إسرائيل الاثناعشر,وتلاميذ المسيح الاثناعشر,ونقباء الرسول الاثناعشر,وأئمة الشيعة الاثناعشر .ولعله من منطلق هذه القدسية عينها جرى تقسيم أشهر السنة اصطلاحا وتواضعا إلى اثني عشر ”
“صرخ وينستون بصوت عال: "ولكن كيف تستطيعون منع الناس من تذكر الأشياء؟ إنه عمل لا إرادي حتى إن أحدا لا يمكنه أن يسيطر على ذاكرته, فكيف تستطيعون أنتم السيطرة على الذاكرة؟ إنكم لم تستطيعوا السيطرة على ذاكرتي"وبدت علامات التهجم على وجه أوبراين وقال:"بل على العكس , إنك أنت الذي عجزت عن السيطرة عليها, وهذا هو ما جاء بك إلى هنا, إنك هنا لأنك فشلت في الانصياع وفي فرض الانضباط الذاتي على نفسك, إنك لم تتقن عملية الخضوع التي هي ثمن التعقل, وإنما فضلت أن تكون مجنونا ووضعت نفسك ضمن أقلية مؤلفة من فرد واحد هو أنت.إن الواقع لا يراه إلا العقل المنضبط يا وينستون, إنك تؤمن بأن طبيعة الواقع طبيعة بديهية بذاتها, وعندما تضلل ذاتك وتوهمها أنك ترى شيئا ما, فإنك تفترض أن كل الآخرين يرون الشيء ذاته, ولكني أقول لك يا وينستون إن الواقع ليس له وجود خارجي, إن الواقع موجود في العقل البشري ولا يوجد في مكان سواه.إنه ليس موجودا في العقل الفردي الذي هو عرضة للوقوع في الأخطاء, كما أنه يفنى بفناء صاحبه, إنه لا يوجد إلا في عقل الحزب الذي يتسم بأنه جمعي وخالد.وما يعتبره الحزب حقيقة فهو الحقيقة التي لا مراء فيها, ومن المستحيل أن ترى الحقيقة إلا بالنظر من خلال عيني الحزب.تلك هي الحقيقة التي يجب أن تعلمها من جديد يا وينستون, وهذا يحتاج منك أن تدمر ذاتك وهو أمر يتطلب قوة الإرادة, يجب أن تذل نفسك وتقهرها حتى يمكنك أن تكون عاقلاً.”