“لازلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبى وهو جالس فى الصالة وحده ليلا، فى ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشئ على الإطلاق، لا قراءة ولا كتابة، ولا الاستماع إلى راديو، وقد رجعت أنا لتوى من مشاهدة فيلم سينمائى مع بعض الأصدقاء. أحيى أبى فيرد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى باب حجرتى وفى نيتى أن أشرع فورا فى ال...نوم، بينما هو يحاول استبقائى بأى عذر هروبا من وحدته، وشوقا إلى الحديث فى أى موضوع. يسألنى أين كنت فأجيبه، وعمن كان معى فأخبره، و عن اسم الفيلم فأذكره، كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل فى عكس هذا بالضبط. فإذا طلب منى أن أحكى له موضوع الفيلم شعرت بضيق، و كأنه يطلب منى القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتى ثمين جدا لا يسمح بأن أعطى أبى بضع دقائق.”

ماذا علمتني الحياة د. جلال أمين

Explore This Quote Further

Quote by ماذا علمتني الحياة  د. جلال أمين: “لازلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما… - Image 1

Similar quotes

“لا زلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبي وهو جالس فى الصالة وحده ليلا، فى ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشيء على الإطلاق، لا قراءة ولا كتابة، ولا الاستماع إلى راديو، وقد رجعت أنا لتوي من مشاهدة فيلم سينمائى مع بعض الأصدقاء. أحيي أبى فيرد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى باب حجرتى وفى نيتى أن أشرع فورا فى النوم، بينما هو يحاول استبقائي بأي عذر هروبا من وحدته، وشوقا إلى الحديث فى أى موضوع. يسألنى أين كنت فأجيبه، وعمن كان معى فأخبره، و عن اسم الفيلم فأذكره، كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل فى عكس هذا بالضبط. فإذا طلب منى أن أحكى له موضوع الفيلم شعرت بضيق، و كأنه يطلب منى القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتى ثمين جدا لا يسمح بأن أعطى أبى بضع دقائق.لا أستطيع حتى الآن أن أفهم هذا التبرم الذى كثيرا ما يشعر به شاب صغير إزاء أبيه أو أمه، مهما بلغت حاجتهما إليه، بينما يبدى منتهى التسامح وسعة الصدر مع زميل أو صديق له فى مثل سنه مهما كانت سخافته وقلة شأنه. هل هو الخوف المستطير من فقدان الحرية والاستقلال، وتصور أى تعليق أو طلب يصدر من أبيه أو أمه وكأنه محاوله للتدخل فى شئونه الخاصة أو تقييد لحريته؟ لقد لاحظت أحيانا مثل هذا التبرم من أولادى أنا عندما أكون فى موقف مثل موقف أبى الذى وصفته حالا، وإن كنت أحاول أن أتجنب هذا الموقف بقدر الإمكان لما أتذكره من شعورى بالتبرم و التأفف من مطالب أبى. ولكنى كنت أقول لنفسى إذا إضطررت إلى ذلك “إنى لا أرغب فى أكثر من الاطمئنان على ابنى هذا، أو فى أن أعبر له عن اهتمامى بأحواله ومشاعره، فلماذا يعتبر هذا السلوك الذى لا باعث له إلا الحب، و كأنه اعتداء على حريته واستقلاله؟”


“ليس من الضرورى مثلا أن يكون الرئيس بوش قد جلس يوما مع الرئيس صدام حسين، وعلى وجه كل منهما ابتسامات شيطانية ،يخططان لغزو الكويت ، بل إن من الممكن جدا أن يُدفع صدام حسين إلى القيام بعمل معين دون أن يكون واعيا وعيا تاما بدوافعه ونتائجه ،أو على الأقل دون أن يُقال له بالظبط أهداف الخطة و أبعادها وخطوات تنفيذها خطوة خطوة . إن الأمر هو مؤامرة فقط بمعنى أن الضحية والضحايا ،وهم فى العادة من الأفراد العاديين الذين لا يدخلون طرفا فى اللعبة السياسية ،لا يدرون الأسباب الحقيقية لما يحدث ،بل وتُبذل جهود متعمدة لتضليلهم .”


“ليس هناك خطأ فى أن تُقبل على قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم أو حتى إجراء تجربة فى المعمل وأنت متحيز، بل أكاد أقول إن نوعًا من التحيز ضروري ومطلوب، فلا أحد يُطالب بأن يبدأ شيئًا من هذا وذهنه كالصفحة البيضاء الخالية من أى أفكار وتحيزات سابقة، فنحن آدميون من لحم ودم ولسنا ماكينات تصوير أو تسجيل.”


“كثير جداً من ميلنا إلى التقليل من شأن الآخرين، بما فى ذلك الامعان فى انتقاد الناس من وراء ظهورهم، والمبالغة فى تضخيم أخطائهم الصغيرة، والتغاضى عن حسناتهم، والميل إلى رؤية عيوب الآخرين بدلاً من حسناتهم، كل هذا يؤكد لنا شعورنا بأننا "ذو قيمة " وذلك عندما يعز علينا أن نكتسب هذا الشعور من أى طريق آخر غير التقليل من قيمة الآخرين .”


“لقد ظللت فترة طويلة لا أستطيع خلالها أن أتصور كيف يمكن أن تعيش أى أم أو أب عند فقد الابن أو البنت , أو كيف يستمر العاشق الولهان فى الحياة بعد فقد حبيبته .. الخ. ولكنى صادفت بعد ذلك , المرة تلو المرة , مابين لى خطئى , إذ وجدت قدرة الإنسان على التأقلم مع أشد الأحداث إيلاما أكبر كثيرا مما كنت أتصور.ومع مرور بضعة أيام على هذا الحادث , تأكد لى هذا أكثر فأكثر , وكانت النتيجة مزيجا من الارتياح والفزع فى نفس الوقت . الارتياح لأن الألم أقل بكثير مما كنت أتوقع , والفزع من حجم القسوة التى تبين لى انها كامنة فى الجميع , بدرجة أكبر بكثير مما كنت أظن .”


“إن انتشار الحجاب فى البداية كثيراً ما يعكس خطوة جديدة فى طريق تحرر المرأة، إذ يرجع انتشاره إلى حد كبير إلى اضطرار المرأة المصرية للخروج للعمل أو الدراسة أو لتحمل أعباء كان الزوج يتحملها من قبل، و اضطرت المرأة للاختلاط بالرجال الغرباء فى الشوارع و الجامعات و وسائل المواصلات بدرجة أكبر بكثير من ذى قبل، فكان الخروج مع الحجاب ينطوى على خطوة فى طريق التحرر بالمقارنة بالبقاء داخل البيت، بحجاب أو بدونه || دكتور جلال أمين فى كتاب "مصر و المصريون فى عهد مبارك”