“إن طغيان الموقف الفردي المحلي والآني على الموقف الجماعي والعام والمستمر سهل جداً، فالانسياق مع المشاعر الخاصة وردود الفعل الفردية تجاه النص المقروء، والشرود عن استحضار عيون القراء المحتملين أو الأصليين لهذا النص، يدفعان بنا بعيداً عن القراءة الصحيحة، ومن ثم بعيداً عن الخروج بأحكام موضوعية وعادلة على الكاتب أو النص.”
“لا بد من استحضار الغائب واستبعاد الحاضر، وأقصد بهذا استحضار عصر الكاتب وبيئته وجمهوره لنسمع النص على ضوئها، وفي الوقت نفسه، استبعاد ذاكرتنا اللغوية وتراكماتها الثقافية التي أفقدتنا، بألفتنا لها، القدرة على الاكتشاف والإحساس بالصدمة الأولى كما تلقاها القارئ الأول لهذا النص”
“يتحكم بنا أثناء عملية القراءة ذاكرتنا اللغوية والثقافية الجاهزة، بما تراكم فيها من سبائك تعبيرية تقليدية اعتدنا قراءتها أو كتابتها، وأضحت جزءاً عضويا من بناء شخصيتنااللغوية. وسنجد أن من الصعب علينا أن نتخلى عن هذه الوحدات أو السبائك التي توارثناها لأجيال عديدة، وربما لجيل واحد أو جيلين لا أكثر. وبدون التخلص من هيمنة هذه السبائك على ذاكرتنا لن نكون قادرين على القيام بدور التحكيم فيما نقرأ، ومن ثم الخروج بأحكام عادلة على الكاتب والنص.”
“من عمليات استحضار الغائب واستبعاد الحاضر نكتشف من خلال الآخر مالم نعرفه عن أنفسنا من قبل، فالمبدأ النبوي الكريم "المؤمن مرآة أخيه" غدا اليوم أكثر شمولاً وإحاطة ليكون: الحضارة مرآة لأختها، وشعوب العالم، في هذه القرية الكونية الواحدة، مرآة بعضها لبعض.”
“إن عنصر "النحن" في ذواتنا يغطي غالباً "الموضوع" فيها، فننظر إلى كل شيء حولنا من خلال "الذات" وليس من خلال "الآخر". وهكذا تفقد أحكامنا استقلاليتها وعدالتها وشمولها، ومن ثم مصداقيتها، فتسقط ضعيفة مهيضة الجناح عند أعتاب الآخرين.”
“إن فهم كل من أتباع الديانتين لنفسه والآخر كان على الدوام العامل الأهم في إيجاد التعايش الأخوي البنّاء من الجانبين.”
“بقدر ما ننجح في عمليتي "استحضار الغائب واستبعاد الحاضر" سنكون مهيئين لقراءة الآخرين الذين نريد أن نتواصل معهم، فنتسلم خطابهم بأمانة، ونوصل خطابنا إليهم بالأمانة نفسها.”