“بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك فقال : أدركت عمر بن عبد العزيز ، فقيل له : يا أمير المؤمنين أقفرت أفواه بنيك من هذا المال ، وتركتهم فقراء لا شيء لهم وكان في مرض موته ، فقال : أدخلوهم علي ، فأدخلوهم ، بضعة عشر ذكرا ، ليس فيهم بالغ ، فلما رآهم ذرفت عيناه ، ثم قال : يا بني ، والله ما منعتكم حقا هو لكم ، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم ، وإنما أنتم أحد رجلين : إما صالح ، فالله يتولى الصالحين ، وإما غير صالح ، فلا أترك له ما يستعين به على معصية الله ، قوموا عني”
“قال رجل لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين - لو وسعت على نفسك في النفقة ، من مال الله تعالى ، فقال له عمر : أتدري ما مثلي ومثل هؤلاء ؟ كمثل قوم كانوا في سفر ، فجمعوا منهم مالا ، وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم ، فهل يحل لذلك الرجل ، أن يستأثر عنهم من أموالهم ؟ .”
“في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال : { استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية ، على الصدقة ، فلما قدم ، قال : هذا لكم ، وهذا أهدي إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله ، فيقول : هذا لكم ، وهذا أهدي إلي ، فهلا جلس في بيت أبيه ، أو بيت أمه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ منه شيئا ، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ، اللهم هل بلغت ؟ اللهم هل بلغت ، ؟ ثلاثا”
“دخل على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ابنه المؤمن التقي عبد الملك، وقال له في حماس متوقد: يا أبت ما لك تبطيء في إنفاذ الأمور؟! فوالله ما أبالي لو غلبت بي وبك القدور في سبيل الله! فقال الأب الحكيم: يا بني إن الله ذم الخمر في آيتين وحرمها في الثالثة، وإني أخشى أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه جملة!”
“وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وعشقه مشهور لجارية فاطمة بنت عبد الملك، وكانت جارية بارعة الجمال، وكان معجبا بها، وكان يطلبها من امرأته ويحرص على أن تهيأها له، فتأبى، ولم تزل الجارية في نفس عمر، فلما استُخلف أمرت فاطمة بالجارية فأُصلحتْ، وكانت مثلا في حسنها وجمالها، ثم دخلت على عمر وقالت: يا أمير المؤمنين إنك كنت معجبا بجاريتي فلانة، وسألتَها فأبيتُ عليكَ، والآن فقد طابت نفسي لكَ بها، فلما دخلتْ بها عليه ازداد بها عجبا، وقال لها : ألقي ثيابك، ففعلت، ثم قال لها : على رِسلك، أخبريني لمن كنتِ ؟ ومن أين صرتِ لفاطمة ؟ فقالت : أَغرم الحجاجُ عاملا له بالكوفة مالا، وكنت في رقيق ذلك العامل، فأخذني وبعث بي إلى عبدالملك، فوهبني لفاطمة، قال: وما فعل ذلك العامل ؟ قالت : هلك، قال: وهل تركَ ولدا؟ قالت نعم، قال: فما حالهم ؟ قالت: سيئة، فقال شُدّي عليكِ ثيابك واذهبي إلى مكانك، ثم كتب إلى عامله على العراق: أن ابعث إليّ فلان بن فلان على البريد، فلما قدم إليه قال له : ارفع إلى جميع ما أغرمه الحجاج لأبيك، فلم يرفع إليه شيئا إلا دفعه إليه، ثم أمر بالجارية فدفعت إليه ثم قال له : إياكَ وإياها، فلعل أباكَ قم ألمّ بها، فقال الغلام: هي لك يا أمير المؤمنين، قال: لا حاجة لي بها، قال فابتعها مني، قال : لست إذا ممن نهى النفس عن الهوى، فلما عزم الفتى على الانصراف بها قالت : أين وجدك بي يا أمير المؤمنين ؟ قال: على حاله، ولقد زادْ. ولم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات رحمه الله . ( من كتاب : "الداء والدواء" أو "الجواب الكافي" - إبن قيم الجوزية )”
“وقد روى أبو داود في السنن {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: أمن العصبية أن ينصر الرجل قومه في الحق؟ قال: لا. قال: ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه في الباطل} وقال: {خيركم الدافع عن قومه ما لم يأثم} . وقال: {مثل الذي ينصر قومه بالباطل كبعير تردى في بئر فهو يجر بذنبه} . وقال: {من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا} . وكل ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن: من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة: فهو من عزاء الجاهلية؛ بل {لما اختصم رجلان من المهاجرين والأنصار فقال المهاجري: يا للمهاجرين وقال الأنصاري: يا للأنصار قال النبي صلى الله عليه وسلم أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟} . وغضب لذلك غضبا شديدا.”
“سأل رجل الشافعي رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله، أيُّما أفضل للرجل: أن يمكن أوأن يبتلى؟ فقال الشافعي: لا يمكَّن حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحاً، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهم، فلما صبروا مكنهم، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة.”