“إن الأصولية ترتكز دائما على الخلط بين حرية الإنسان المسؤولة وضرورة النظام العام للعالم الذي شاءه الله, والخلط بين الشريعة, قانون الله الأخلاقي, وبين الفقه, تشريع الأحكام, والخلط الدائم بين الكلام الإلهي والكلام البشري.”
“إن هذا التزوير التقليدي لتعاليم القرآن يرجع إلى جذور الملكية الوراثية بالذات, التي ينفيها القرآن. لقد سبق للأموي الأول, معاوية , أن قال: "الأرض لله, وأنا وكيله". وبعد قرن, قام العباس الثاني, أبو جعفر المنصور بتكرار اللازمة ذاتها: "أيها الناس ! صرنا رؤساءكم بحق أعطانا الله إياه ... أنا وكيل الله على الأرض".هوذا التضليل الأساسي: الخليفة يعتبر نفسه كأنه "وكيل الله", بينما كان "خليفة" النبي, لا أكثر. فعندما خاطب الله محمدا في القرآن :"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله .." , كان الله يخاطب النبي, والنبي وحده. أما القراءة الأميرية فتشكل في آن اغتصابا لصفة النبي ولحقوقه الإلهية.”
“وهنا نرى الخط الفاصل بين إيران والسعودية, والذي يفصل الصراخ الإعلامي والصمت المحترم, فهو الخط الذي يُرسَم ليفصل بين هؤلاء الذين يدينون تحلل الغرب وهؤلاء الذين ينضمون إليه.”
“إن الأصوليين يقدمون عن الإسلام الصورة التي يريد ألد أعدائه أن يعطوه إياها. وما أكثر الأمثلة: عندما احتفل نميري, دكتاتور السدوان, سنة 1983 بذكرى تطبيقه الدموي "للشريعة", كان رجال الدين يتوافدون على الخرطوم لتمجيد الطاغية و "تطبيقه الصحيح للشريعة". وما كاد نميري يسقط, ويُعلّق "تطبيق الشريعة" حتى ران الصمت على علماء الشريعة.إن واحدا من أنفد المنظرين للإسلاموية الأصولية هو المودودي الباكستاني, الذي يحدد السياسة "الإسلامية" بأربعة مبادئ: سلطة قوية في أيدي علماء الشرع, انصياع الشعب لهذه السلطة, نظام فكري أخلاقي تفرضه هذه السلطة, مكافأة وثواب لأولائك الذين يطبقون أحكامها.لا يمكن تحديد الأصولية على نحو أفضل.إن كتب المودودي ينشرها حكام العربية السعودية على نحو واسع جدا في العالم بأسره. ولنذكر أن المودودي منح ضياء الحق, دكتاتور الباكستان, تأييده وثقته”
“إن حركات كهذه تكون طريدة سهلة لقوى أجنبية, جاهزة دائما لتموليلها بسخاء, لأنها تعزز كل السلطات. الأمر الذي يسمح لهذه القوى, بتوطيد وصايتها الإيديولجية من خلال تبعية اقتصادية.”
“إن كل تعليم وكل فن وكل سياسة لا تساعد على هذا الإدراك والوعي بما هو إنساني أساسا وأصلا في الإنسان, سيفضي بنا إلى إنتحار جماعي كامل.”
“ولكن لو كان لطاقة معنوية أخلاقية أن تسمح بتدمير نظام ووضع الغايات الإنسانية والإلهية لمشروع المجتمع في سياسته واقتصاده, ولكنها لا تقدم لا الوسائل ولا التقنيات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف, فكيف إذن تمكنت هذه التوجيهات المعنوية من توليد التعصب السلفي في إيران ؟لعب في هذا الإطار عاملان تاريخيان دورا هاما: "الإمامة الشيعية" والتي أضفت على السلطة طابعا شخصيا, وحرب العراق وإيران, والتي تحالف فيها العالم أجمع ضد إيران, بما جعل هذا النظام يتطرف ويصبح راديكاليا.فمن أهم خصائص الإسلام الشيعي "الإمامة", ووجود "إمام مختف منتظر", ولقد اعتُبر الخوميني "ممثله" المرئي, والذي تحيط به مجموعة حقيقية من رجال الدين في تدرج زعامي ديني: آيات الله, حجات الإسلام, الملالي. فلقد أضفى عليهم نضالهم ضد استبداد الشاه, وغزو الغرب الأخلاقي, وعدد الشهداء من بينهم, أضفى عليهم كل هذا هالة من الهيبة العظيمة. وهكذا تكوّن نوع من أنواع حكم رجال الدين. ممهدا لظهور "الإمام المختفي".وأعلن الخوميني: "من وجهة النظر الدينية, أنا مؤهل لأفعل ما أقوم به" فهذا التفويض الإلهي, والذي دعمه موافقه أغلبية الشعب الكبرى, منحه كل السلطة وكذلك منحها للزعماء الدينيين.”