“إن برنامج القادة الإسلاميين يتحول إلى تكرار, ذي طموح تهذيبي وأخلاقي, لصيغ تجريدية من القرآن والسنة منذ ألف سنة, منفصلة عن سياقها في القرآن وفي التاريخ.وهم بذلك لا يدعون إلى إعمال الفكر ومبدأ المشاركة, بل يدعون إلى الإنقياد السلبي للزعماء الدينيين, محترفي الدين, الذين يجعلون أنفسهم يمثابة موظفين لدى المطلق, خلافا للأحكام القرآنية.”
“في الواقع, إن العودة إلى الأصول, هي "عودة إلى الأشكال". والحال, فإن الألف سنة التي توقظ الأمل لدى الجماهير الشعبية بعصر ذهبي, إنما توجه هذا الأمل شطر تعابير رمزية عن هذا الرجوع: محرمات كسائية أو عبادية تحول شرطا جميلا وصحيا من شرائط الطهارة إلى طهرانية شكلية.من هنا, كان عجز الأصوليين عن تكوين مشروع مجتمعي, تكوين فقه القرن العشرين.”
“وإن الأصولية, إذ تدعي أنها مالكة الإسلام, إنما تحصر في العلماء والفقهاء, تفسير القرآن والسنة, وتنزع إلى إقامة نظام إكليركي, أو ثيوقراطية مفوضة ومرتهنة ترفض حق الشعوب في أية مشاركة حقيقية لبناء المستقبل.ليس الإسلام خزانا لحلول جاهزة. إذ في إمكان مبادئه أن توجه تفكيرا وبحثا دؤوبين, طالما دعا القرآن إليهما, وفي إمكانها أيضا أن تشق دروبا جديدة للخروج من الاتحطاطات المفروضة.لقد كسب إسلام العصر الأول, العالم من الأطلسي إلى بحر الصين, اكتسبه من جهة بثورة اجتماعية قطعت مع التصور الروماتي للملكية بوصفها "حق استعمال وإفراط", وحالت دون تكديس الثروة في قطب من المجتمع وتكديس الفقر في قطبه الآخر, واكتسبه من جهة ثانية بوحي إلهي كنس المذاهب المغلقة وامتيازات إمبراطوريتي فارس وبيزنطة المتحجرتين. لم يكن ذلك فتحا عسكريا, بل كان انفتاحا واستقبالا لكل الثقافات الكبرى, واعترافا بكل الأنبياء السابقين وبكل الروحانيات السالفة.”
“إن المذاهب تتغذى من بعضها, فينجم عن ذلك إنجراف في المفاهيم ذاتها: فالدفاع عن امتيازات الكنيسة ارتدى طابع الدفاع عن العقيدة, والدفاع عن العلمنة في الدولة وفي المدرسة تحول إلى استبعاد وضعي للعقيدة, وتجذّر في الإلحاد بكل طيبة خاطر.”
“للخلاص من الأصولية, لا يحتاج العالم إلى قيصر أو نابليون, بل يحتاج إلى نهوض ملايين الرجال والنساء لنداء لوثريّين جدد, غانديّين جدد.”
“فيا أيها الآلات الموجهة من بعيد انفصلي, اقطعي أجهزة تبديلك ! إخرجي من سجونك, طالما أنه لا يزال يوجد بشر في الخارج, بشر حقيقيون, يتكلمون بلغة الإنسان ! طالما لا يزال هناك أشياء لها عطوراتها في هواء الزيوت, ولها حبها في ظل الجنس, ولها موسيقاها رغم الهستيريا, وشاعرها المتيم أو الصوفي رغم "الإنسان الآلي".عندئذ لن نعاني مرارة الحاجة إلى أية أصولية, لكي نجد من القطيع بديلا عن المجتمع, وفي التعصب بديلا عن الإلهي.إن كل تربية وكل فن وكل سياسة لا تساعد على هذا الإدراك لما هو إنساني حقا في الإنسان, إنما تقودنا إلى إنتحار كوني شامل.”
“إن هذا التزوير التقليدي لتعاليم القرآن يرجع إلى جذور الملكية الوراثية بالذات, التي ينفيها القرآن. لقد سبق للأموي الأول, معاوية , أن قال: "الأرض لله, وأنا وكيله". وبعد قرن, قام العباس الثاني, أبو جعفر المنصور بتكرار اللازمة ذاتها: "أيها الناس ! صرنا رؤساءكم بحق أعطانا الله إياه ... أنا وكيل الله على الأرض".هوذا التضليل الأساسي: الخليفة يعتبر نفسه كأنه "وكيل الله", بينما كان "خليفة" النبي, لا أكثر. فعندما خاطب الله محمدا في القرآن :"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله .." , كان الله يخاطب النبي, والنبي وحده. أما القراءة الأميرية فتشكل في آن اغتصابا لصفة النبي ولحقوقه الإلهية.”