“و بالحقوق المدنية يتصل أمر الرق، الذي يعجب الكثيرون لإبقاء الإسلام عليه مع أنه جاء بشرع الحرية لا بشرع الاسترقاق. و قد كتبنا و كتب غيرنا في تعليل هذا الموقف ما يغني عن الإطالة فيه، لكنّ الذي نكتفي بإيراده الآن، و هو مما لا ريب فيه، أن الشريعة الإسلامية قاومت الرق مقاومة منظمة فعالة كانت بخطاها المتدرجة أفعل في تهيئة الضمير البشري للقضاء عليه. و لقد أوشك الإسلام – بتضييقه مصادرَ الرق – أن يلزم المسلمين بالعتق، لأنه كان يتوقع انتهاء الرقيق في العالم إلى الحرية الكاملة بعد أجل مسمى محدود، مصداقاً لقول النبي صلوات الله عليه: (أوصاني حبيبي جبريل بالرفق بالرقيق حتى ظننت أنه سيضرب له أجلاً يخرج فيه حراً)، و في رواية: (حتى ظننت أن الناس لا تستعبد ولا تستخدم.)”

صبحي الصالح

Explore This Quote Further

Quote by صبحي الصالح: “و بالحقوق المدنية يتصل أمر الرق، الذي يعجب الكثي… - Image 1

Similar quotes

“لكنّ الشيء الأساسي الذي لا مراء فيه هو أن الحاكم المسلم – بأي لقب سمّى نفسه أو سماه الناس – لا يستطيع، و لا يؤذن له، أن يتحرر من سلطان الدين الذي يدين به هو و المجتمع الذي بايعه رئيساً عليه، ليس لأن الحكومة في هذا الدين (تيوقراطية)، إمامُها خليفة الله على الأرض يستر إرادته المستبدة وراء عصمته المزعومة، و لكن لأن عقيدة مجتمعه دين يجمع في آن واحد بين طرفي الدنيا و الآخرية في وحدة مثالية كبرى لا تقبل التجزئة و التحليل.”


“و أجاب النبي السائلين – كما هي عادته في القضايا التي لا تتناول مسائل الاعتقاد – إجابات مختلفة دارت حول نصوصها مناقشات كثيرة أوقعت بعض الناس في لبس شديد. و في تنوّع أجوبته راعى عليه السلام الأشخاص و ساير البيئات، و وضع الأصول و لاحظ الضرورات، و قرر المبادئ و أوضح الاستثناءات، فحملنا بذلك على أن نستنتج استحالة اعطاء رأي حاسم في الموضوع، و على أن نعتقد أن لا خير في محاولة القطع فيه، و على أن نرجح أن ما يصلح لفرد ربما لا يصلح لآخر، و أن ما يطبّق في إقليم يتعذر تطبيقه في آخر، و أن ما يسوغ في وقت الحرب مثلاً لا مسوّغ لمثله في وقت السلام.”


“(من تشبه بقوم فهو منهم).و غني عن البيان أن الإسلام إنما يهدف - من وراء هذا التحذير عن التشبيه بالآخرين - إلى انتزاع كل أثر من آثار الهزيمة الداخلية في النفوس، حتى تظل الأمة قادرة على الابتكار، مؤمنة بالطريق الذاتي الذي تسلكه عن طواعية و اختيار، تعالج مشكلاتها جميعاً في ضوء منهاجها الخاص، و لقد قال الله في كتابه: (لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجاً و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، و لكن ليبلوكم فيما آتاكم)، و نعى الرسول الكريم صلوات الله عليه على الأمة المقلدة المنهارة الشعور تطلّعها إلى المحاكاة (لا تكونوا إمّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا و إن أساؤوا ظلمنا، و لكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، و إن أساؤوا ألا تظلموا)ّّ”


“على أن المشهور، في الإجماع: أنه حجة قطعية، بحيث يكفَّر مخالفُه أو يُضلّل أو يُبدَّع، و إن كان إطلاق القول بهذا الأسلوب المتشدد يخالف روح الإسلام السمح في معالجة القضايا بوجه عام، و إلى ذلك انتبه إمام الحرمين حين قال: (فشا في لسان الفقهاء أن خارق الإجماع يكفّر، و هو باطل قطعاً، فإن منكر أصل الإجماع لا يكفّر، و القول بالتكفير و التبرّي ليس بالهيّن). و نحن نأخذ بهذا الرأي السديد، و إن كنا لا نغُضّ، و لا نريد قطّ أن نغضّ من قيمة الإجماع بين مصادر التشريع في الإسلام.و لقد صدق الشافعية حين لاحظوا بوجه عام أن الإجماع صيغة تعليمية حية تقدمية، و لقد أحسن المصلحون المعاصرون صنعاً حين نظروا هذه النظرة نفسها إلى الإجماع. و لئن كان المجمعون - في أي عصر من العصور - يمثلّلون شعْب المؤمنين، فإنهم - من غير أن ينطلقوا من كونهم هيئةً كهنوتية منظمة - إنما يمثلون شرع الله، و لا حاجة بهم و لا لغيرهم، و لا يحقّ لهم و لا لغيرهم - أن يمثّلوا الله ذاته، تعالى الله و تقدّس عن كل تمثيل!”


“لقد ذهب إلى غير رجعة ذلك العهد الذي كنا فيه نصنف المراتب الاجتماعية على أساس السن و العمر. و مضى غير مأسوف عليه مفهوم الطاعة للآباء و الأولياء إذا كان يرادف مفهوم الانقياد الأعمى. إنه على كل حال مفهوم يغاير صور التصور الإسلامي للقيم و الأشخاص و الأشياء: فالقرآن الذي يقول للولد في حق أبويه: (ووصينا الإنسان بوالديه) أو يقول: ( و اخفض لهما جناح الدلّ من الرحمة، و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) هو الذي يقول بصراحة و وضوح: (و إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، و صاحبهما في الدنيا معروفا)، و لقد أطلق الرسول الكريم صلوات الله عليه مبداً عاماً في ذلك حين قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.)إنه ليس من طبيعة التصور الإسلامي لارتباط الفرد بالمجتمع أن يسلب الآباء أو الأولياء – باسم الدين – كل مقومات الشباب الذاتية لا العرضية، الأصلية لا الهامشية، المستقلة لا التقليدية. و إنه ليس من طبيعة هذا التصور الإسلامي أن تتحول طاعة الوالدين سيطرة من الأم على ولدها لأنها أرضعته طفلاً، أو سيطرة من الأب على ابنه لأنه أنفق عليه و علمه و رباه، فلا شيء يقنع الشاب بمثل هذه الطاعة العمياء التي تحرمه من ثمرات استقلاله الفكري و رغبته في الإنتاج و العطاء. و حتى في الحديث الشريف، عندما جعل الرسول الكريم أحد (السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه) شاباً نشأ في طاعة الله، لم يكن المراد بالطاعة إلا مفهومها العام القائم على العمل الإيجابي البنّاء، و ليس على مجرد أداء الشعائر، و القلب موات، و الضمير خراب!و إذا صحّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (خاطبوا أولادكم على قدر عقولهم، فإنهم ولدوا لزمان غير زمانكم)، فإن أبسط ما يستنتج من هذا القول الرائع الحكيم أن علينا أن نتفهم نفسيات الشباب، و أن نتعرف إلى كل ما يمرون به، و لا بد أن يمروا به، و أن نعنى بإيجاد الوسائل الكفيلة (بتشغيل) طاقاتهم غاضين النظر عن بعض ما لا خطر وراءه من حب الظهور بمظاهر فريدة، في مقابل إغرائهم بتعزيز القيم الذاتية، و الفكرية، و الفنية، و الروحية، بأساليب موحية غير مباشرة تجعلهم على يقين أنهم بأنفسهم ينقذون أنفسهم من التيه و الركام و الضياع.”


“و تعلّم المسلمون من هذا أن تقرير ما قُرر أو تبديل ما بُدّل إنما يتبع في الإسلام منهجاً مزدوجاً من تشريع و توجيه: فلو اقتصر الأمر على التشريع وحده لما ظهرت الحكمة في تقرير أشياء و تغيير أشياء، و لو اقتصر الأمر على التوجيه وحده لعاشت الأمة الإسلامية بقلوبها و نياتها عالةً على الشرائع الماضية، و التقاليد الخالية، و لكن الإسلام جمع و نسّق، و اختار و هذب، و جعل شريعة السماء تلتقي مع مدارك الإنسان (فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، و لكن أكثر الناس لا يعلمون.)”