“ذلك أن التغيير الحقيقي للمجتمع لا يتم بإزالة حكامه السابقين، ولا بإلغاء القوانين التي تسند نظامهم وإصدار قوانين جديدة تسن تغيير الأوضاع، مهما تكن هذه القوانين جديدة شاملة ومهما يكن تطبيقها دقيقاً حازماً. إنما يحدث التغيير الحقيقي إذا استطاعت الثورة أن تدخل تغييراً أساسياً على وعي المجتمع نفسه، بتغيير نظرته إلى العلاقات الأساسية بين الإنسان وعالم المادة، والتي بين الإنسان وأخيه الإنسان. وتتمثل هذه النظرة فيما للمجتمع من مفاهيم وقيم. ونحن نعني بالمفاهيم الجانب الفكري، وبالقيم الجانب الروحي والأخلاقي، من معتقدات المجتمع وعاداته وممارساته.”
“يحدث التغيير الحقيقيى إذا استطاعت الثورة أن تدخل تغييراً أساسياً على وعى المجتمع نفسه، بتغيير نظرته إلى العلاقات الأساسية التى بين الإنسان و عالم المادة، و التى بين الإنسان و أخيه الإنساتن. و تتمثل هذه النظرة فيما للمجتمع من مفاهيم و قيم.”
“يجب أن يجد مثقفونا الشجاعة الكافية ليناقشوا طبيعة الدين نفسه و دوره فى المجتمع و حاجتنا إلى تغيير فهمنا الموروث لهذه الطبيعة و هذا الدور تغييراً أساسياً ،،،”
“حين أقول إن الثورة يجب عليها أن تقدم على الصراع الفكري الذي يستلزمه تغيير المفاهيم والقيم، فمن أعني بالثورة؟إن الذين أعنيهم هم المفكرون والعلماء والكتاب والأدباء والفنانون. أو قل بكلمة واحدة:المثقفون. المثقفون الذين قبلوا الثورة بطبيعتها الثورية.هؤلاء هم المكلفون بالثورة الفكرية.لكنهم لن يؤدوا واجبهم هذا إلا إذا تحقق لهم شرط أساسي: هو ضمان حرية التعبير. ذلك أن صراعهم الفكري مع المجتمع المحافظ سيقودهم إلى كثير من المواقف التي يعارضون فيها هذا المجتمع في طائفة من أعز معتقداته وأحبها إلى قلبه وأقواها تمكناً من صميم نفسيته. وهذا قمين أن يعرضهم لكثير من الشكوك والريب والنفور والكراهية والعداء والاتهامات. سيتهمون في دينهم وفي أخلاقهم، وسيتهمون في حبهم للوطن وإخلاصهم للقومية العربية فمن حقهم أن ينتظروا من الدولة -دولة الثورة- أن تحميهم من عواقب هذه الاتهامات الوبيلة.”
“وهنا لن يميز أفراد المجتمع بسهولة بين ما هو خرافات تلبست بالدين، وما هو عقائده الصحيحة، ولا بين ما هو الأسس التي لا تقبل التغيير وما هو تأويل وتفسير يجوز أن يتغير ويجب أن يتغير، بل سيخيل إليهم أن أولئك المفكرين يعادون الدين نفسه ويحاولون إزالته، ومن هنا تثور اتهامات الكفر والإلحاد أو الزيغ والهرطقة.”
“فالمجتمع المثالي هو الذي يكون فيه هذا الاتفاق المرعي بين الكثرة والقلة. أما الكثرة فتحترم آراء القلة وتدع لها الحق في التعبير عن أفكارها مهما تخالف المعتقدات الشائعة، وتسمح لها بحرية الانتقاد للأوضاع والعادات والقوانين السائدة مهما تكن عزيزة عليها. وأما القلة فتخضع لقوانين الكثرة ولا تخرج خروجاً عملياً عليها مهما تظنها خاطئة أو ضارة مكتفية بالنقد والدعوة إلى التغيير ومنتظرة في صبر ذلك اليوم الذي تنجح فيه في إقناع عدد كاف من أفراد المجتمع يمكنها من إحداث التغيير المطلوب بطريقة مشروعة منظمة يسنها القانون.”
“والحق أن المتأمل في الحالة الراهنة للأمة الإسلامية يجدها عظيمة الشر. فهي من الجانب العملي قد اضطرتها الأحوال المتغيرة إلى أخذ قوانينها الأجنبية في شتى شؤونها المدنية والتجارية والجنائية، ولم تحاول في تقنين هذه القوانين أن تستمدها من المصادر الفقهية الإسلامية. بل إنها اضطرت إلى الخروج على كثير من الأحكام وتقييد عدد من الإباحات التي وضعتها مصادر التشريع السابقة. لكنها من الجانب النظري لا تزال تعتقد بلزوم تلك الأحكام والإباحات، لأن مفكريها لم يجرءوا بعد على المواجهة الجذرية التي شرحناها. فهي تحقد على الظروف الجديدة التي اضطرتها إلى وقف التشريعات القديمة وتحلم بالعودة إليها وإلى الأوضاع الماضية التي كانت تطبقها. وهي في معظم أقطارها- ما عدا أشدها اختلافا -لا توقع حد السرقة مثلاً، ولا تستبقي حق الاسترقاق. وفي بعض أقطارها قد قيدت حق الملكية، وفي بعضها قيدت حق الطلاق، وفي بعضها قيدت حق تعدد الزوجات أو ألغته إلغاء تاماً، لكنها في كل هذه الأقطار المختلفة لم تقتنع بعد بأن ما فعلته لا ينافي الدين، فهي معذبة حانقة، متناقضة متفسخة، يخالف واقعها مثالها ويعارض سلوكها عقيدتها، وما أشنعها من حالة تعيشها أمة من الأمم!”