“حسناً، إنَّ الكسل أصيل بالكائنات، لذا افترضنا أنَّ ما صنعناه هو اللغة. لقد حَفَرْنَا مجرىً بائساً لتصريف اللغة بعيداً عن مداركنا، وهو ما عرفناه باسم اللغات: السومرية، المسمارية، وحتى تلك الأكثر معاصرةً كاللاتينية، وسواها. ذلك النظام من الرموز الدالّة البائسة التي تُسْلِم اللغة إلى حتفها. اللغة غريزة، وما ذلك النظام سوى وسائل للكبت، إنني أكتب بحزام العفة لا أكثر، بل إنني أكتب بوسائل إلهاء، بمفرزات كسل.”
“ما أكثر ما نشكو من أن اللغة العربية ليست لغة التعليم ، وما أكثر ما نضيق ذرعا باضطرارنا إلى اصطناع اللغات الأجنبية في التعليم العالي !! ولكن ما أقل ما نبذل من الجهد لنجعل اللغة العربية لغة التعليم ، بل نحن لا نبذل في هذا جهدا ما”
“يَسُرُّني جَهْلُك، لا أحبُّ الجهلَ الصاخب، بل ذاك الذي يترنَّح من ثِقَل ما يَعْرِف، وهو وَاسِمٌ مثلَ وَشْمٍ، وصَادِمٌ كصفعةٍ في النوايا، وهو حكمة؛ لذا تَجِدُني أستعيذ بك. خُذْ أوهامَك واتْبَعْنِي، فلستُ سوى خُلاصَتِك النقيّة، ولستَ سوى قائدي العابر مِن حيث تَشْتَهِي النوازعُ أوصافَها الميتة، ومن حيث يكتسبُ الوَشَقُ إرادةَ الوشقِ فيه. دَعْني أسألُكَ وأنت المُبَاطِن، أتَعْرِف أين يدفن البَشَرِيّ ظِلَّه وجسدَه وروحَه الفزِعة؟. في مكان الخلائط؟. حسناً، أنا الآن عابرٌ نحوَك بلا وَجَلٍ ولا ريبة، إذْ لأنَّك تقول بأنَّ الأمرَ في كُلِّه دائرةٌ، سآتيك دون تنضيدِ بدايةٍ واهمة.”
“اثنا عشر إلاهَاً حذَّرُونا من مغبَّة النهر. من الإله يناير وحتى أصغرهم، ديسمبر، ببروده اللئيم. اثنا عشر إلاهاً تناوبوا على تسيير العالَم بحصصٍ معلومةٍ من ملائكة الأيام، لا لغرضٍ سوى منعِنا من النهر الدائري. أخبَرُوا أمَّهاتنا فحذَّرْنَنا: لا تَقْرَبُوا النهر. الكبارُ الملاعين تربَّصُوا بنا: احذَرْ يا سَجَم. وقالوا سنتربَّصْ بأبنائنا كما الضرورة. السَّاحِق والمَاحِق، قالت الآلهة، وأنزَلَتْ عليْنا أمطاراً نفعيّةً وبيلةً، وحاولوا خداعَنا بتزييف الموت؛ قالوا ليسَ ما نَحْياهُ كلَّ زفير. إنَّ كلَّ برهةٍ وعيد، وكلّ كلمةٍ أذى؛ ثم نُمْنَع؟، في القُطْنَةِ الأنيابُ ونُمْنَع؟.”
“و من أعجب ما رأيناه في إعجاز القرآن وإحكام نظمه، أنك تحسب ألفاظه هي التي تنقاد لمعانيه.ثم تتعرّف ذلك و تتغلغل فيه فتنتهي إلى أن معانيه منقادة لألفاظه، ثم تحسب العكس و تتعرفه متثبتا فتصير منه إلى عكس ما حسبت وما إن تزال مترددا على منازعة الجهتين كلتيهما، حتى ترده إلى الله الذي خلق في العرب فطرة اللغة، ثم أخرج من هذه اللغة ما أعجز تلك الفطرة.لأن ذلك التوالي بين الألفاظ و معانيها. و بين المعاني وألفاظها، مما لايعرف مثله إلا في الصفات الروحية العالية.إذ تتجاذب روحان قد ألفت بينهما حكمة الله فركّبتهما تركيبا مزجيا بحيث لا يجري حكم في هذا التجاذب على إحداهما حتى يشملها جميعاً.”
“القرآن معجزة العربية. معجزة اللغة بل هو معجزة اللغات”
“قَسَمَاً بِالمُتْقَنِ؛ بالأوتادِ، بمياهِ النهرِ التي، بسُلوكِ رملٍ طفيفِ الكثافة، تتداركُ بعضَها كأخطاء؛ لَمْ تكونا سوى خَلِيصَيْن، أنتَ وعَالُوس. نشأتما بالقرب من ساحةِ الغُرَباء، حيث خُتِمَت على قلبكم الغُرْبَة الغَرِيبة، وكَبُرْتُما على المحاذير: كُلكم؛ لا تُخَالِطُوا البَيَادِقةَ فالهلاك. لا تلعبوا بجوار صخرةِ الفجوات. لا تَدْخُلُوا مضائق سين. ولا يَكْتُبَنْ أحدُكم اسْمَه بطبشور الإقامةِ كي لا يُمْسَخَ بَيْدَقياً أو صرصاراً. عَلَّمَتْكُم المدارسُ المجهولةُ في بلادِ البَيَادِقَة ما اعْتُبِرَ ضرورياً للنّشأةِ، من علوم زينون الأيلي وعفاريت أم بُقْبُق؛ الحركةُ مستحيلة، الزّمنُ خرافةٌ ضروريَّة، لا بُدَّ مِن أخْذِ الأبَد والممكن والآلة الحاسبة في الحقيبة، ولا بُدَّ مِن ثَنْيِ اللّفافات جيّداً كي لا يتدحرج منها صبرٌ أو اثنان بدَرْب المدرسة. كنتم تتعلَّمون التكرار، تَبْرَعُون في عقد المقارنات بين الشيء وذاته وما هو عليه وما يَدَّعِي، تعملون طيلةَ نهاركم في إحصاءِ مراتبِ الظلِّ وجَرْدِ خيال المعدن، ثم ترجعون، مساءً، وقد الْتَهَمَ الضجرُ أرواحَكم، وتَعَبَّأ الهواءُ بين العضلة وأختها بالتعب. ليلاً، كنتم محضَ خُلَصَاء، تتسلَّلُون في العتمة الحليفة إلى الغابة، مستنشقين روائحَ الأزَلِيّ التي تُرسلها شجرةٌ لطائرٍ نائم، حيوانٌ بَرِّيٌّ لآخَر، باعوضٌ يُذَلِّلُ أزيزَهُ لجرادةٍ، بينما تتحلَّلُ شرنقةٌ من التزامِها تجاه فراشةٍ نامِيَة. قرب النهر التقيتم كلَّ ليلة، للمرَحِ، وبَلَلِ الأجسادِ، ورَمْيِ الحجارةِ لإحصاء الدوائر، وزَعْم الصّيدِ بغُصنٍ أبله من البُوص، كما رَوَيْتُم على بعضِكم المتخيَّلَ من سِيرة بطولتكم: كَيْفَ قَهَرْنَا العفاريت، جفَّفْنا البحار، أنقذْنا البناتَ من قلعةِ الألف كائن، كيف ذَلَّلْنَا البروقَ أكُفَّنا، ورَوَّضْنَا الحقيقةَ نفسَها فحَمَلَتْنَا بالأجنحةِ السوداءِ، التي تتساقطُ منها فضَّةُ النسيانِ ولهبُهُ، إلى قصورٍ بألْفِ قُبَّةٍ تقطُنُ فيها أميرةُ الكمالِ الوَدُودِ حَدَّ نَقْصِه. قَسَمَاً بالمُتْقَنِ، كانت لتلك الأيامِ بطولةٌ تستحِي منها ضآلةُ الوجودِ إلى يومِكم.”