“كم مرة كفرت مشيخة الأزهر آراء و اضطهدت مفكرين اتضح فيما بعد أنهم كانوا على صواب و أن العلماء الذين كفّروهم كانوا هم المخطئين. أجل! لقد كفروا السيد جمال الدين الأفغاني. و كفروا تلميذه الأستاذ الإمام و رموه بالزيغ بل بالإلحاد و كفروا المراغي و حاربوه طويلاً. و لا تزال حربهم العوان على الشيخ مصطفي عبد الرازق حرباً لم يلتزموا فيها حقاً و لا أدباً و لا تعففاً، حتى يُقال أنه مات غماً و حسرة ،،،”
“إننا لا يحق لنا أبداً أن نحرمِّ نشر رأى مخالف لقيمنا و تقاليدنا بحجة أنه مناف للخلق القويم، مهما يبدو لنا أنه ينافي الفضيلة حقاً. فمن يدرينا لعلنا نحن الذين نتصف بخصال مرذولة و نمارس عادات قبيحة شريرة، و هذا المفكر المجدد يريد أن يطهر خلقنا و يزكى عملنا و ينتشلنا من حمأة الرذيلة التى طال تعودنا عليها، حتى ألفناها و أحببناها و لم نر بها قبحاً و لا شراً بل ظننا بها الحسن و الخير.”
“جميع الحكومات الرجعية التى لا تزال تُسيطر على أقطار كثيرة من الشرق و الغرب إنما تستند أساساً إلى سلطة الرجعيين من رجال الدين، هؤلاء الذين لا يزالون يعقدون مع قوى الإقطاع و الرأسمالية و التخلف حلفاً أثيماً يتقاسم فيه الفريقان ثمرات الظلم و الأثرة و الاستغلال و تفاوت الطبقات و خنق كل حركة هادفة إلى تنوير عقول الناس و إصلاح أحوالهم و تغيير أوضاعهم إلى ما هو أخلق بالعدل و المساواة و الحرية و الكرامة و التنور و التقدم ،،،”
“لا يقع علينا الإلزام بأقوال العلماء القدامى إلا إذا اعتقدنا أن لهم وحدهم حق التمييز و الاجتهاد و ليس لأحد مما جاء بعدهم، و اعتقدنا أنهم كانوا معصومين من الخطأ عصمة اختصوا بها دون غيرهم ،،،”
“إن العلماء القدامى أنفسهم قسموا أوامر القرآن و نواهيه إلى أبوب خمسة:باب الفرض و هو ما نلزم بفعله و نعاقب على تركه، و باب الواجب و هو ما يجمل بنا أن نفعله و لكن لا نعاقب على تركه و إنما نُلام على تركنا السلوك الأمثل، و باب المباح و هو يعنى التخيير المطلق دونما تفضيل للعمل أو للترك، و باب المكروه و هو ما ينبغى أن نتركه لكنه غير محرم و لا يستتبع فعله عقاباً، و أخيراً باب الحرام و هو ما يلزمنا تركه و يحق علينا العقاب إذا فعلناه ،،،”
“إذا فكرنا و سألنا كيف تحولت دعوة كانت فى مبدئها ثورية تقدمية عصرية، إلى أداة حَجْر على الفكر و تجميد للمجتمع، هدانا تفكيرنا إلى علتين لم تكونا فى الإسلام الأول، بل ظهرت كلتاهما فى عصور انحدار الحضارة الإسلامية، ثم رسختا و توطدتا حتى خيل للناس أنهما من أصول الدين الإسلامى. إحداهما بروز طبقة تحتكر تفسير الدين، و تدّعى أن لها وحدها حق التحدث باسمه و إصدار الحكم فيما يوافقه من الآراء و المذاهب و ما لا يوافقه، أى طبقة كهنوتية و إن لم تتسم بهذا الاسم صراحة. و ثانيتهما اعتقاد تلك الطبقة أن ما ورد فى المصادر الدينية السابقة من تشريعات و أجوبة و حلول هى تعاليم ملزمة يُفرض إتباعها و لا يجوز تعديلها أو تغييرها فى كل الأمور جميعاً، سواء فيما يختص منها بأمور العقيدة و ما يتطرق إلى أمور المعاش ،،،”
“إذا كنا أعلم بأمور دنيانا من الرسول نفسه، أفلا نكون أعلم أيضاً من الصحابة و التابعين و الفقهاء و العلماء الذين انقضي على آرائهم و حلولهم و إجاباتهم ما يزيد على ألف من السنين تطورت فيها الإنسانية تطوراً عظيماً و تغيرت تغيراً بعيداً؟!!! ،،،”