“إن تجديد عقل ما يحتاج إلى مخاطبة هذا العقل بالأسلوب الذي تعود الإنصات إليه ، وكلما أمكن : بالوسائل التي يستعملها هو نفسه . إن ذلك هو السبيل الوحيد الذي يجعل العقل المراد تجديده ينصت ويستوعب . أما اصطنطاع الغموص أو عدم التمكن من التحرز منه ، أما نقل الأفكار في نفس غلافها الأصلي وعدم القدرة على إلباسها غلافا يأنس العقل المنقول إليه ، أما الطريقة التي يكتب بها كثير من دعاة التجديد في الفكر العربي المعاصر ، فإن رد الفعل إزاءها ، من طرف العقل الذي تخاطبه ، لن يختلف عن رد أبي سعيد السيرافي إزاء التراجمة التي كانوا يلتزمون النقل الحرفي ويكتبون بلغة غير بيانية وغير مبينة ، رد الفعل الذي عبر عنه السيرافي بقوله : لا سبيل إلى إحداث لغة في لغة مقررة بين أهلها”
“إن التحديات التي تواجه العالم العربي والعالم الإسلامي تتطلب ليس فقط رد الفعل بل الفعل والفعل في العصر الحاضر هو أولا وأخيرا فعل العقل”
“العقل العربي تحكمه النظرة المعيارية إلى الأشياء. ونحن نقصد بالنظرة المعيارية ذلك الإتجاه في التفكير الذي يبحث للأشياء عن مكانها وموقعها في منظومة القيم التي يتخذها ذلك التفكير مرجعاً لها ومرتكزاً. وهذا في مقابل النظرة الموضوعية التي تبحث في الأشياء عن مكوناتها الذاتية وتحاول الكشف عما هو جوهري فيها. إن النظرة المعيارية نظرة اختزالية، تختصر الشيء في قيمته، وبالتالي في المعنى الذي يضيفه عليه الشخص (والمجتمع والثقافة) صاحب تلك النظرة. أما النظرة الموضوعية فهي نظرة تحليلية تركيبية: تحلل الشيء إلى عناصره الأساسية لتعيد بناءه بشكل يبرز ما هو جوهري فيه.”
“من هو العربي؟ أن يكون الإنسان عربياً هو أن يشعر بأنه عربي فعلاً عندما يتعرض شعب أو فرد عربي لعدوان أجنبي. وهذا الشعور الذي يهمين في أوقات الأزمات لا يتناقض مع النزوع نحو الوحدة العربية الذي حددنا به هوية"العربي" في الفقرات السابقة. بل إن هذا النزوع ليس شيئاً آخر سوى التعبير الإيجابي عن ذلك الشعور خارج أوقات الأزمات. وهل الهوية شيء آخر غير رد الفعل ضد "الآخر" ونزوع حالم لتأكيد"الأنا" بصورة أقوى وأرحب.”
“. . ذلك أن الحقيقة لدى كثير من ( المثقفين - القراء ) العرب, بل ولدى كثير من الكتاب والباحثين في الوطن العربي, فضلاً عن المثقف العادي, هي ما يقوله آخر كتاب قرأوه ولربما آخر حديث استمعوا له, الشيء الذي يدل على رسوخ الاستعداد للتلقي وغياب الروح النقدية في نشاط العقل العربي المعاصر”
“في الواقع ، واقع تداخل الأزمنة الثقافية في فكر المثقف العربي ، هو ما يفسر ظاهرة مزعجة في الفكر العربي المعاصر ، ظاهرة " المثقفين الرحل" ، المثقفين الذين يرحلون عبر "الزمن الثقافي" العربي من المعقول إلى اللامعقول ، من اليسار إلى اليمين بسهوله لاتصدق . على صعيد المواقف "المبدئية " حول قضايا : الوحدة والأشتراكية والإسلام والعروبة والديمقراطية والعلمانية وهي القضايا الرئيسية في الفكر العربي المعاصر”
“هنا في الثقافة العربية الإسلامية يطلب من العقل أن يتأمل الطبيعة ليتوصل إلى خالقها : الله. وهناك في الثقافة اليونانية - الأوروبية يتخذ العقل من الله وسيلة لفهم الطبيعة أو على الأقل ضامناً لصحة فهمه لها. هذا إذا لم يستغن عنه بالمرة, أو لم يوحد بينهما.”