“إن حركات كهذه تكون طريدة سهلة لقوى أجنبية, جاهزة دائما لتموليلها بسخاء, لأنها تعزز كل السلطات. الأمر الذي يسمح لهذه القوى, بتوطيد وصايتها الإيديولجية من خلال تبعية اقتصادية.”
“إن الأصولية ترتكز دائما على الخلط بين حرية الإنسان المسؤولة وضرورة النظام العام للعالم الذي شاءه الله, والخلط بين الشريعة, قانون الله الأخلاقي, وبين الفقه, تشريع الأحكام, والخلط الدائم بين الكلام الإلهي والكلام البشري.”
“وقد برزت ملامح يقظة الغرب الأولى في إسبانيا الإسلامية قبل أربعة قرون من يقظته في إيطاليا. وكان في وسعها أن تكون يقظة عالمية. (ولكن) برفض الغرب للتركة (العربية الإسلامية) التي كان يمكنها توحيد الشرق والغرب، وبانفصال (الغرب) الذي حرمه لمدة قرون عن إسهام جميع الثقافات الأخرى (التي خصبهتا الثقافة الإسلامية)، راحت المغامرة القاتلة (للغرب) للهيمنة تقوده وتقود العالم الذي يسيطر عليه معه، نحو نموذج انتحاري من النمو والحضارة. إن (الغرب) الذي صار اسطورة التقدم وعقيدته قاد إلى أكثر تقهقرات التاريخ لا إنسانية.”
“إن الهاجس السوفياتي بـ "اللحاق" بالغرب, ويجعل الاتحاد السوفياتي قوة صناعية وعسكرية عظمى, جعل الغاية الإنسانية للاشتراكية تتبخر: فصار النماء أولوية الأولويات وغاية في حد ذاته. والمخطط الذي كان يهدف, عند ماركس, إلى انتزاع اقتصاد من غابة المنافسات والمجابهات, وإلى تكييفه وفقا للأهداف الإنسانية, صار من ستالين إلى خروتشيف وبريجنيف, إدارة ممركزة وبيرقراطية, تخنق مبادرات القاعدة, لكي تحافظ على كل قرارات القمة, وتفرض خضوعا أعمى على كل المراتب وأحيانا تفرض عليها طاعة دموية.”
“هنا نستكشف الطابع الأساسي لكل أصولية: خفض منهجية, خفض إيمان, خفض سياسة إلى الشكل الذي أمكنها ارتداءه في حقبة سابقة من التاريخ, والنتيجة الحتمية لهذه الدوغمائية (المذهبية المتجرة): التفتيش. لأنني إذا كنت واثقا من حيازة الحقيقة المطلقة, فإن من يرفضها يكون إما مريضا ينبغي وضعه في مصحة نفسية, وإما مرتدا واعيا يستحق السجن أو الموت نظرا لرفضه الإرادي للحقيقة.هذا هو المنطق المتظرف لكل أصولية منتصرة.”
“إن التعصب السلفي الديني والسياسي يتولد من شعور بالإحباط في مواجهة الشعور بالوحدة وبالعبث في عالم لا غاية له.رجال يائسون دون مستقبل , بائسون فريسة لكل "العدميات" أمام "قيم" مزعوجة لا تعطي الحياة قواما ولا مغزى, فريسة أيضا للتبشير والمبشرين الدجالين الذي يعدون بمملكة إله, أي إله !”
“إن الأصوليين يقدمون عن الإسلام الصورة التي يريد ألد أعدائه أن يعطوه إياها. وما أكثر الأمثلة: عندما احتفل نميري, دكتاتور السدوان, سنة 1983 بذكرى تطبيقه الدموي "للشريعة", كان رجال الدين يتوافدون على الخرطوم لتمجيد الطاغية و "تطبيقه الصحيح للشريعة". وما كاد نميري يسقط, ويُعلّق "تطبيق الشريعة" حتى ران الصمت على علماء الشريعة.إن واحدا من أنفد المنظرين للإسلاموية الأصولية هو المودودي الباكستاني, الذي يحدد السياسة "الإسلامية" بأربعة مبادئ: سلطة قوية في أيدي علماء الشرع, انصياع الشعب لهذه السلطة, نظام فكري أخلاقي تفرضه هذه السلطة, مكافأة وثواب لأولائك الذين يطبقون أحكامها.لا يمكن تحديد الأصولية على نحو أفضل.إن كتب المودودي ينشرها حكام العربية السعودية على نحو واسع جدا في العالم بأسره. ولنذكر أن المودودي منح ضياء الحق, دكتاتور الباكستان, تأييده وثقته”