“إن المذاهب تتغذى من بعضها, فينجم عن ذلك إنجراف في المفاهيم ذاتها: فالدفاع عن امتيازات الكنيسة ارتدى طابع الدفاع عن العقيدة, والدفاع عن العلمنة في الدولة وفي المدرسة تحول إلى استبعاد وضعي للعقيدة, وتجذّر في الإلحاد بكل طيبة خاطر.”
“كيف أصبح الدفاع عن "الحق الدولي" مسئولية هؤلاء الذين لم يتوقفوا عن انتهاكه , مثل الولايات المتحدة في بنما أو في جرينادا -حتي لا نتكلم عن السنوات الأخيرة- أو هؤلاء الذين لم يتوقفوا عن تركه ينتهك من قبل دول أخري , مثل إسرائيل التي ضمت القدس أو التي تحتل و تضرب غزة و الضفة الغربية”
“في الواقع, إن العودة إلى الأصول, هي "عودة إلى الأشكال". والحال, فإن الألف سنة التي توقظ الأمل لدى الجماهير الشعبية بعصر ذهبي, إنما توجه هذا الأمل شطر تعابير رمزية عن هذا الرجوع: محرمات كسائية أو عبادية تحول شرطا جميلا وصحيا من شرائط الطهارة إلى طهرانية شكلية.من هنا, كان عجز الأصوليين عن تكوين مشروع مجتمعي, تكوين فقه القرن العشرين.”
“فيا أيها الآلات الموجهة من بعيد انفصلي, اقطعي أجهزة تبديلك ! إخرجي من سجونك, طالما أنه لا يزال يوجد بشر في الخارج, بشر حقيقيون, يتكلمون بلغة الإنسان ! طالما لا يزال هناك أشياء لها عطوراتها في هواء الزيوت, ولها حبها في ظل الجنس, ولها موسيقاها رغم الهستيريا, وشاعرها المتيم أو الصوفي رغم "الإنسان الآلي".عندئذ لن نعاني مرارة الحاجة إلى أية أصولية, لكي نجد من القطيع بديلا عن المجتمع, وفي التعصب بديلا عن الإلهي.إن كل تربية وكل فن وكل سياسة لا تساعد على هذا الإدراك لما هو إنساني حقا في الإنسان, إنما تقودنا إلى إنتحار كوني شامل.”
“إن برنامج القادة الإسلاميين يتحول إلى تكرار, ذي طموح تهذيبي وأخلاقي, لصيغ تجريدية من القرآن والسنة منذ ألف سنة, منفصلة عن سياقها في القرآن وفي التاريخ.وهم بذلك لا يدعون إلى إعمال الفكر ومبدأ المشاركة, بل يدعون إلى الإنقياد السلبي للزعماء الدينيين, محترفي الدين, الذين يجعلون أنفسهم يمثابة موظفين لدى المطلق, خلافا للأحكام القرآنية.”
“وإن الأصولية, إذ تدعي أنها مالكة الإسلام, إنما تحصر في العلماء والفقهاء, تفسير القرآن والسنة, وتنزع إلى إقامة نظام إكليركي, أو ثيوقراطية مفوضة ومرتهنة ترفض حق الشعوب في أية مشاركة حقيقية لبناء المستقبل.ليس الإسلام خزانا لحلول جاهزة. إذ في إمكان مبادئه أن توجه تفكيرا وبحثا دؤوبين, طالما دعا القرآن إليهما, وفي إمكانها أيضا أن تشق دروبا جديدة للخروج من الاتحطاطات المفروضة.لقد كسب إسلام العصر الأول, العالم من الأطلسي إلى بحر الصين, اكتسبه من جهة بثورة اجتماعية قطعت مع التصور الروماتي للملكية بوصفها "حق استعمال وإفراط", وحالت دون تكديس الثروة في قطب من المجتمع وتكديس الفقر في قطبه الآخر, واكتسبه من جهة ثانية بوحي إلهي كنس المذاهب المغلقة وامتيازات إمبراطوريتي فارس وبيزنطة المتحجرتين. لم يكن ذلك فتحا عسكريا, بل كان انفتاحا واستقبالا لكل الثقافات الكبرى, واعترافا بكل الأنبياء السابقين وبكل الروحانيات السالفة.”
“وقد برزت ملامح يقظة الغرب الأولى في إسبانيا الإسلامية قبل أربعة قرون من يقظته في إيطاليا. وكان في وسعها أن تكون يقظة عالمية. (ولكن) برفض الغرب للتركة (العربية الإسلامية) التي كان يمكنها توحيد الشرق والغرب، وبانفصال (الغرب) الذي حرمه لمدة قرون عن إسهام جميع الثقافات الأخرى (التي خصبهتا الثقافة الإسلامية)، راحت المغامرة القاتلة (للغرب) للهيمنة تقوده وتقود العالم الذي يسيطر عليه معه، نحو نموذج انتحاري من النمو والحضارة. إن (الغرب) الذي صار اسطورة التقدم وعقيدته قاد إلى أكثر تقهقرات التاريخ لا إنسانية.”