صلاح خلف photo

صلاح خلف


“ولم يكد المركب يرفع مراسيه، حتى سمعنا عويل امرأة، فقد لاحظت أن أحد أطفالها الأربعة لم يكن على المركب، وراح تطلب العودة إلى المرفأ للبحث عنه. إلا أنه كان من الصعب علينا، ونحن نتعرض لنيران المدافع اليهودية الغزيرة أن نعود أدراجنا فنعرض للخطر حياة ما بين مائتين وثلاثمائة شخص بينهم العديد من الأطفال المتراكمين في المركب. ولقد ذهبت توسلات تلك المرأة الباسلة سدى فانهارت باكية، وكنا بضعة أشخاص نحاول تهدئتها مؤكدين لها أنه سيتم إيواء ابنها الصغير بالتأكيد ثم يرسلونه في وقت لاحق إلى غزة. ولكن عبثا، إذ راح قنوطها يتزايد برغم مقالاتنا، وبرغم تطمينات زوجها. ثم إذا بأعصابها تخور فجأة: فتتخطى درابزين المركب وتلقي بنفسها في البحر. وأما زوجها الذي لم يفلح في الإمساك بها، فقد غاطس بدوره، ولم يكن أي منهما يحسن العوم فابتلعتهما الأمواج الهائجة أمام نواظرنا، وأما المسافرون الذين أخذهم الروح فكانوا كمن ضربه الشلل.”
صلاح خلف
Read more
“وإذا سلموا إلى قدرهم، وهم يخشون حدوث مجازر شبيهة بمجزرة دير ياسين، فإن مئات الآلاف من الفلسطينيين قرروا مغادرة وطنهم تحرزا، لاسيما وأن بعض «اللجان الوطنية» المؤلفة من مناضلين قوميين، وخاصة في يافا، كانت تطمئن من يريدون المغادرة بأن منفاهم سيدوم قليلا، فإن هي إلا بضعة أسابيع أو بضعة أشهر، أي الوقت اللازم لتجمع الجيوش العربية لكي تقهر القوات الصهيونية. ذلك أن القرار الذي أعلنته البلدان العربية بمقاومة إنشاء دولة إسرائيل بالسلاح، أثار أملا كبيرا لدى الفلسطينيين.وحين استرجع ذلك، فإني اعتقد أن مواطني اخطأوا حين وثقوا بالأنظمة العربية، كما أخطأوا على أية حال، حين تركوا الميدان خاليا للمستوطنين اليهود. كان عليهم الصمود مهما كلف الأمر. فما كان في مستطاع الصهاينة أن يبيدوهم حتى آخر رجل. وعلى أية حال، فقد كان المنفى بالنسبة لكثيرين بيننا أسوأ من الموت.”
صلاح خلف
Read more