جون ستيوارت ميل هو فيلسوف واقتصادي بريطاني، ولد في لندن عام 1806 م، و كان البكر لأسرة كبيرة أنجبت تسعة أولاد، و كان والده جيمس ميل أحد كبار أهل العلم و المعرفة في القرن الثامن عشر . عاش بعيدا عن تأثير التيارات الرومانتيكية الجديدة، و ترك فيه بنثام و الماديون الفلاسفة الفرنسيون أثرا كبيرا. و قد أنشأ بنه جون ستيوارت في عزلة عن بقية الأطفال، فنال تربية عقلانية. تعلم جون الإغريقية في السنة الخامسة من عمره، حيث اطلع على أعمال هيرودوت و أفلاطون ، و تعلم اللاتينية في التاسعة، و في الثانية عشرة درس أرسطو و منطق هوبز ، و في الثالثة عشرة قرأ مبادئ ريكاردو ، كان غذاؤه الفكري موجها بعناية من قبل أبيه و خليطا من العلم الطبيعي و الآداب الكلاسيكية ، و حين بلغ جون الرابعة عشرة، كان له من المعرفة و الاطلاع ما كان لرجل في الثلاثين. لقد نجح والده في أن يجعل منه كائنا عقلانيا مزودا بمعلومات واسعة.
لم يكن جون ثوريا بطبعه، و كان يحب أباه و يعجب به أيما إعجاب، و كان مقتنعا بصحة معتقداته الفلسفية، و وقف مع بنثام ضد النزعة اليقينية و كل ما كان يقاوم مسيرة العقل و التحليل و العلم التجريبي ، و كان يجاهر باستمرار بأن السعادة هي الغاية الحميدة للوجود البشري، و كان ما يخشاه و يمقته ضيق الأفق و سحق الأفراد من قبل وطأة السلطة أو العادة أو الرأي العام ، لذا وفق بحزم ضد عبادة النظام.
في السابعة عشرة من عمره، بلغ مبلغ الرجال على المستوى العقلي، فقد كان صافي الذهن، صريح، فصيح جدا، بالغ الوقار دونما أثر لخوف أو غرور ، و خلال السنين العشر التالية، زاول كتابة المقالات و النقد، و حمل عبء الحركة النفعية على كاهله، و كانت مقالاته مصدر شهرة و اسعة له، مما جعله خبير في الشؤون العامة. لقد امتدح ما كان أبوه امتدحه من قبله، العقلانية و المنهج التجريبي ، و الديموقراطية و المساواة ، و هاجم، ما كان يهاجمه النفعيون، التعصب الديني و الإيمان بالحقائق البديهية التي لا يمكن إقامة الدليل عليها و نتاجها اليقينية التي أفضت في رأيه إلى التنازل عن المنطق .
في العام 1830 تعرف ميل إلى السيدة تايلر و شغف بها حبا، و أراد أن يظهر لها أنه فارسها الوفي طيلة عشرين عام قبل أن يتزوجها في العام 1851، لقد ألفى لدى تلك السيد رقة عاطفية مميزة توخى من خلالها أن يجد كوة فكرية يطل منها على القضايا الإنسانية و الاجتماعية التي كانت مثار اهتمامه على الدوام. لقد اعترف لها بحب جامح تضمنه الإهداء الموجه لها في كتابه "في الحرية" (بالإنجليزية: On Liberty)، بيد أن سعادتهما لم تدم، فقد توفيت زوجته في العام 1858، مما حمل ميل على الاعتكاف في منزل صغير في إحدى ضواحي آفينيون.