الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، مفكر عربي إسلامي وأستاذ غير متفرغ بكلية البنات جامعة عين شمس. وُلد في دمنهور 1938 وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي (مرحلة التكوين أو البذور). التحق عام 1955 بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعُين معيدًا فيها عند تخرجه، وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1963 حيث حصل على درجة الماجستير عام 1964 (من جامعة كولومبيا) ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رَتْجَرز Rutgers (مرحلة الجذور).
وعند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 – 1988)، كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970 – 1975)، ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 – 1979). ثم عضوا بمجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرج، بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران والولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا (مرحلة الثمر).
ومن أهم أعمال الدكتور المسيري موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد (ثمانية مجلدات) وكتاب رحلتي الفكرية: سيرة غير ذاتية غير موضوعية- في البذور والجذور والثمار. وللدكتور المسيري مؤلفات أخرى في موضوعات شتى من أهمها: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (جزأين)، إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (سبعة أجزاء). كما أن له مؤلفات أخرى في الحضارة الغربية والحضارة الأمريكية مثل: الفردوس الأرضي، و الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، و الحداثة وما بعد الحداثة، و دراسات معرفية في الحداثة الغربية. والدكتور المسيري له أيضاً دراسات لغوية وأدبية من أهمها: اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود، و دراسات في الشعر، و في الأدب والفكر، كما صدر له ديوان شعر بعنوان أغاني الخبرة والحيرة والبراءة: سيرة شعرية. وقد نشر الدكتور المسيري عدة قصص وديوان شعر للأطفال
قدم الدكتور المسيري سيرته الفكرية في كتاب بعنوان رحلتي الفكرية – في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية (2001) حيث يعطي القارئ صورة مفصلة عن كيف ولدت أفكاره وتكونت والمنهج التفسيري الذي يستخدمه، خاصة مفهوم النموذج المعرفي التفسيري. وفي نهاية "الرحلة" يعطي عرضًا لأهم أفكاره
“لعل تنشئتي التقليدية جعلتني أرى أن المعايير الأخلاقية لا تنطبق إلا على الأفراد وحسب، أما المؤسسات فهي شخصيات مجردة لا شخصية، لا تهتم بالأفراد أو الأخلاق، وتتحرك كالوحش الكاسر أو كقوة من قوى الطبيعة، تحطم كل ما يأتي في طريقها. فالمقدرة على الاستمرار والبقاء هي القيمة المطلقة الوحيدة بالنسبة لها والتي تجب أي حسبانات إنسانية وأخلاقية”
“حينما كان أحدهم يعطيني هدية ملفوفة كنت آخذها كما هي فأشكر صاحبها ولا أفض غلافها. وحينما نبهني أحدهم، في الولايات المتحدة، إلى ضرورة فض غلاف الهدية وإظهار الأعجاب بها، أدركت أننا في مصر لا نفعل ذلك أبدا، ففض غلاف الهدية وعرضها يعني تحولها من قيمة إنسانية (كيف) إلى ثمن محدد (كم)، ومن هنا إخراجها من عالم التراحم إلى عالم التعاقد والتبادل. وقد امتد بي العمر لأرى ملامح "التقدم" في السبعينات، إذ إننا نفض غلاف الهدايا الآن ونعرضها على الملأ، "واللي ما يشتري يتفرج!"_”
“لكن أنا أعرّف العلمانية بأنها ليست فصل الدين عن الدولة، وإنما فصل مجمل حياة الإنسان عن جميع القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، بحيث يتحول العالم إلى مادة استعمالية يوظفها القويّ لحسابه.”
“فمن يرتكب خطأ ما بهو بطل مأسوي، أما من يرتكب أخطاء الآخرين فهو مهرِّج.”
“ولعل حب المصري للنكتة يعود إلى تجربته التاريخية الطويلة التي جعلته يعيش كثيرًا من التناقضات ولحظات الانتصار والانكسار ويشعر بالقوة والعجز ، الأمر الذي جعله قادرًا على تطوير رؤية فلسفية قادرة على تقبل التناقضات وتجاوزها من خلال النكتة ، وإن كان هذا لا ينفي أيضًا مقدرته على التجاوز من خلال الثورة .”
“إن حلم الفصحى ليس (حلم العودة)، وإنما حلم الانطلاق نحو غد يمسك فيه العرب بزمام أمرهم .. أما التحيز إلى العامية ، فهذا هو طريق الهزيمة والسوق الشرق أوسطية”
“والأدب العظيم يتعامل مع الإنسان في أقصى تركيبته”
“هل تموت الفروسية بموت الفارس؟ هل تموت البطولة باستشهاد البطل ؟ وهل يختفي الصمود إن رحل بعض الصامدين؟”
“لا يمكن الحكم على شيء ولا يمكن التمييز بين الخير والشر مع غياب المعيارية، فإصدار حكم على شيء ما خارجنا يتطلب وجود أرضية فلسفية تحوي درجة من الإطلاق متجاوزة لقوانين المادة والحركة، يمكن من خلالها تطوير معايير وموازين فلسفية وأخلاقية، تجعل بوسعنا الحكم والتمييز”
“..وكان هذا إشارة إلى أن ما يسود من تقاليع ربما لا يكون بالضرورة تعبير عن رغبات الناس وتطلعاتهم الحقيقية”
“الإذعان والقبول بالأمر الواقع هما جوهر الجمود والرجعية”
“ التجاوز بالمعنى العام هو ( تخطي شيء ما وصولا إلى ماهو أسمى منه )”
“ السعادة لا تهبط من السماء، وإنما هي مثل العمل الفني، لا بد أن يكدّ المرء ويتعب في صياغته وصنعه، والزواج، مثل العمل الفني، أيضا، ومثل أي شيء إنساني مركب، يحتوي على إمكانات سلبية وإيجابية ولا يمكن فصل الواحد عن الآخر”
“كل الأشياء الجميلة تنتهي! كل الأشياء الحزينة تنتهي!”
“ وقد تعلمت من هذه التجارب أن النجاح والفشل في الحياة العامة حسب المعايير السائدة ليس بالضرورة حكماً مصيباً أو نهائياً، وأن الإنسان قد يفشل بالمعايير السائدة، ولكنه قد ينجح بمعايير أكثر أصالة وإبداعاً”
“ الثقة بالنفس ضرورية كي يمكن للمرء أن يعمم ويصوغ نماذج تفسيرية”
“إن المشكلة التي تواجهنا هي : هل يمكن أن ندخل العصر الحديث، وننفض عن أنفسنا رتابة المجتمع التقليدي واتجاهه نحو تكرار نفسه؟ هل يمكن أن نفعل هذا دون أن نضيع تلك العناصر الإيجابية التي يتسم بها المجتمع التقليدي ؟ هل يمكن أن ندخل المستقبل ومعنا ماضينا ، نحمله كهوية وذات تحررنا من اللحظة المباشرة، وتحفظ لنا خصوصيتنا وتساعدنا على أن نجد اتجاهنا لا كعبء يثقل كاهلنا؟”
“رؤية المجتمع للنفس البشرية كانت رؤية مركبة تتجاوز الصور السطحية والتافهة التي تروج لها أجهزة الإعلام هذه الأيام”
“في العيد كنا نلبس الملابس الجديدة، ونسقط الحدود مؤقتاً من المجتمع كله، وكان الصراع الطبقي يخف إلى حد كبير، إذ كان يعم جو من المساواة الجميلة، فكانت عبارة(كل سنة وأنت طيب) هي العبارة التي يجدد الناس من خلالها علاقتهم بمفهوم الإنسانية المشتركة وبالعناصر الكونية في وجودهم”
“الفرح أصبح هو اللحظة غير الإنسانية التي يتم فيها استعراض الثروة والتباهي بها وتزداد فيها حدة الصراع الطبقي، بعد أن كان اللحظة الإنسانية التي يتم فيها إسقاط الحدود الاجتماعية مؤقتا ، ويتم تقليل حدة الصراع الطبقي ليعبر الجميع عن انسانيتهم المشتركة”
“إن تأخير تكوين المثقف في العالم العربي أمر يؤثر في التنمية فهذا يعني أن الكثيرين يتساقطون في أثناء العملية التربوية ، وإن من يخرج سليما منها فإن سنين العطاء عنده تكون محدودة للغاية”
“الإنسان الاستهلاكي الحديث يفضل ماهو سهل وبسيط على ماهو جميل ومركب”
“..وقد أخبرني مره أن النسيان ( وليس التذكر) هو الذي يصنع المثقف والعمل الذي كان يعنيه أن المثقف الحقيقي لا يتذكر التفاصيل دون إطار ودون رؤية كلية، وأن الرؤية الكلية بالضرورة تعني استبعاد (نسيان ) بعض التفاصيل”
“إن من لا يملك مشروعا حضارياً يتقدم بخطى حثيثة إلى مزبلة التاريخ”
“المثقف الذي لا يترجم فكره إلى فعل لا يستحق لقب المثقف”
“كثيراً من شعوب العالم بدأت تتخلى عن رؤيتها وتحيزاتها النابعة من واقعها التاريخي والإنساني والوجودي وبدأت تتبنى عن وعي أو عن غير وعي الرؤية والتحيزات الغربية ، وبدأت تنظر إلى نفسها من وجهة نظر الغرب”
“الدولة الصهيونية تطرح نفسها على مستوى من المستويات على أنها الآلة الغربية التي تعمل دون تاريخ ودون أعباء أخلاقية ، هي المستقبل لمن يود أن يطرح عن كاهله تراثه أو قوميته”
“وجاذبية النزعة الجنينية (في مقابل النزعة الربانية ) عالية للغاية فالأولى تعمل مع قانون الجاذبية وتعمل الثانية ضده، وكما أقول إن السقوط في الوحل أسهل بكثير من الصعود إلى النجوم”
“الإنسان لا يتحمل الألم إلا من خلال إيمانه بشيء ما يتجاوز ذاته الضيقة”
“نجد أن الفن الحداثي يزداد ابهاما وتعقيدا حتى اصبح فنا نخبويا رغم ثورته على البرجوازية”
“الأمن الدائم والنهائي والحقيقي علاقة بين مجموعات بشرية وليس أسطورة تفرض عن طريق الردع التكنولوجي”
“أن الهاجس الأمني قد يكون حالة مرضية، ولكنه في نهاية الأمر ثمرة إدراك عميق وواقعي واع أو غير واع”
“يلاحظ ان الجنس يستخدم في بيع السلع أي ان الانسان الاقتصادي تراجع تماماوأصبح تابعا للانسان الجسدي . يبدو ان الجنس سيصبح المطلق النهائيللانسان الطبيعي الحديث كما كان بالنسبة للانسان الطبيعي الأول”
“أنا لاأعتقد أن هناك دولة عظمى ستظهر بعد أمريكا ، إنما سيكون عالم متعدد الأقطاب مثل الصين واليابان وأوربا ،ومن يدري؟ فربما يكون العرب إحدى القوى السياسية في العالم.”
“ولذا بدلاً من الحديث عن "حقوق الإنسان"، إنسان روسو الطبيعي الذي يعيش حسب قوانين الطبيعة، مما يضطرنا إلى الحديث عن "حقوق المرأة" الفرد، ثم أخيراً عن "حقوق الطفل" الفرد، قد يكون من الأجدر بنا أن نتحدث عن "حقوق الأسرة" كنقطة بدء ثم يتفرع عنها وبعدها "حقوق الأفراد" الذين يكوّنون هذه الأسرة، أي أننا سنبدأ بالكل (الإنسان الاجتماعي) ثم نتبعه بالأجزاء الفردية”
“فصياغة القوانين العلمية بدقة بالغة, و المعرفة العلمية و التنظيم الرشيد قد تساعد كلها على التوصل الى الطرق المناسبة لانجاز الاهداف الاجتماعية, و لكنها لا تساعدنا على الاختيار بين قيم مطلقة او اهداف متناقضة او على اتخاذ قرارات اخلاقية. فالعلم فى نهاية الامر لا علاقة له بقضية اختيار الحياة الفاضلة, فثمة هوة شاسعة بين المعرفة العقلانية و الحكم الاخلاقى.”
“الانشغال بالتاريخ يعني الا ينظر الانسان الى واقعه بشكل مباشر، والا يستجيب له بجهازه العصبي او بصفحة عقله البيضاء، والا يرى اللحظة الراهنة بحسبانهاالبداية والنهاية، انما بحسبانها نقطة يلتقي فيها الماضي بالمستقبل، والا يتصور انه عالم بسيط يمكن اختزاله في قانون او قانونين، وانما يراه من خلال عدسات وبؤر وذكريات وتقاليد ورموز. أي ان الانسان يواجه العالم من خلال انسانيته وخريطته الادراكية المركبة لا من خلال ماديته، وانه مفرد ليس هو البداية والنهاية، وانما هو امتداد للماضي في الحاضر، ومن ثم في المستقبل.”
“الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على أن يرتفع على ذاته أو يهوى دونها، على عكس الملائكة والحيوانات، فالملائكة لا تملك إلا أن تكون ملائكة والحيوانات هي الأخرى لا تملكإلا أن تكون حيوانات، أما الإنسان فقادر أن يرتفع إلى النجوم أو أن يغوص في الوحل”
“دائماً أطرح هذا السؤال على المستعمرين والصهاينة الذين يتحدثون دائماً عن تخلف الشرق ويؤكدون أن هذا التخلف هو أحد مبررات الاستعمار، إذ سيصيبهم بالهم والغم ألا يعني تقدم الشرق انكماش رقعة السوق بالنسبة للغرب، وعمالة غير رخيصة ، ومواد خام مرتفعة الثمن ، ودولة صهيونية محاصرة ، لاتؤدي لخدمة الغرب؟”
“وحين سئل فاكيلاف هافل رئيس جمهورية التشيك عن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع أجاب : “هذا الوضع له علاقة ما بأننا نعيش في أول حضارة ملحدة في التاريخ البشري . فلم يعد الناس يحترمون ما يدعى القيم المتافيزيقية العليا ، والتي تمثل شيئاً أعلى مرتبة منهم ، شيئاً مفعما بالأسرار . فحينما أعلنت الإنسانية أنها الحاكم الأعلى للعالم، في هذه اللحظة نفسها، بدأ العالم يفقد بعده الإنساني”
“الهدف المعلن من تغيير الأزياء هو إعطاء المرأة الفرصة أن تجدد ملابسها وتغيرها حسبما يروق لها فتعبر عن ذاتها . ولكنك لو دققت الأمر لوجدت أنه لو كل امرأة أطلقت فعلاً لخيالها العنان وعبرت عن ذاتيتها خارج كل حدود وقيود وسدود فإن مصانع الملابس الحريمي ستتوقف عن الدوران لأن سلوك المراة لن يمكن التنبؤ به ، ولن يمكن للاحتكارات أن تعد خطوط الانتاج المليونية !”
“الإنسان السعيد المتزن تقل انتاجيته بعض الشيء إذ تصبح أهدافه في الحياة إنسانية”
“خلق العالم بالصدفة هو مجرد افتراض و تخمين وليس حقيقة علمية . و من الاعتراضات المعروفة علي هذا الرأي أن تكون كائن كالانسان من تلك الذرات مصادفة أكثر بعداً من احتمال قرد يخبط علي آلة كاتبة فيخرج لنا قصيدة رائعة”
“وقد وصفت العقل المادي بانه عقل يشبه عقل أشعة إكس من ناحية ، يمكنها أن تعطينا صورة لهيكل الإنسان العظمي لكنها لا يمكن أن تنقل لنا صورة الوجه الإنساني في أحزانه وأفراحه”
“ان الوحدة العربيه في تصوري يجب ان تكون شكلا من أشكال التكامل السياسي والاقتصادي الثقافي”
“الإنسان الذي لا يحلم لا يغير ويعيش في حالة اكتئاب, خاصة أن كل ما في حياتنا الآن يدعو للاكتئاب.”
“المشكلة أن الإعلام العلماني فقد ارتباطه بالواقع, ووجد نفسه مهمشاً ولم يعد له امتداد بين الجماهير, ولذا فهو يحاول تشويه الخطاب الإسلامي, وتصويره على أنه شيء واحد متجمد لم يدخل عليه أي تطور”
“لماذا لا ننضج وننفض عن أنفسنا المؤشرات الاختزاليه, وننظر لواقعنا بعيون لا تغشيها غشاوات أجنبيه تعمينا عن رؤية الحقيقه الثريه المركبه بكل أبعادها الماديه وغير الماديه المتداخله؟”
“لا أذكر أنني رأيت أياً من الدعاة التقليديين يضحك أو يبتسم, وكأن الإسلام مرتبط بالخوف والنار والرعب من الجحيم إلخ.”
“ لا بد أن يدرك الناس أن الهوية ليست مجرد فولكلور ولكنها الرؤية الفلسفية للإنسان. فالناس تستيقظ كل يوم لأداء عملها لتحقيق هدف ما, ولكن من دون وجود هدف تصبح عملية الإستيقاظ عملية بيولوجية خالية من المعنى. بينما أعتقد أنه في ظل وجود مشروع حضاري يصبح الإستيقاظ فعلا إنسانياً يسهم في بناء الوطن".”