“إنه لمن سوء الحظ ، ألا نُدرك ما يُراد بنا ، فَنُصرَف عما ينبغي أن نفكر فيه كأفراد ومجتمعات ، فيصيب غيرنا الهدف ، ونحن لا نشعر ! ومن أجل هذا قلت ، إنك إذا لم تكن حاضر الذهن في " الموقف " فكن أينما أردت .والمهم أنك لم تحضر الموقف ، فكن أينما شئت ، واقفا للصلاة أو جالسا للخمرة ، فكلاهما واحد .إن المستعمرين قد لا يدعونك دائما إلى ما تشاء منه ، حتى لا يثيروا انتباهك ، فتفر منهم إلى المكان الذي ينبغي أن تصير إليه ! بل هم يختارون دعوتك حسب حاجتهم ؛ فيدعونك أحيانا إلى ما تعتقده أمرا طيبا من أجل القضاء على حق كبير ، حق انسان أو مجتمع ، وقد تُدعى لتنشغل في حق آخر ، فيقضون هم على حق محق آخر .عندما يشب حريق في بيت ، ويدعوك أحد للصلاة ، والتضرع إلى الله ، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن ، لأن الإهتمام بغير اطفاء الحريق ، والإنصراف عنه إلى عمل آخر ، هو الأستحمار ، وإن كان عملا مقدسا ، وقوفا في الصلاة ، أو انشغالا بمطالعة أحسن الكتب العلمية والأدبية ، أو مناجاة مع الله ؛ وأي شئ تنشغل به في هذا المجال ، يفيد أن المسبب قد استعمرك . وإن أي جيل ينصرف عن التفكير في " الدراية الإنسانية " كعقيدة واتجاه فكري ، ومسير حياتي ، وتحرك مداوم إلى أي شئ حتى ولو كان مقدسا ، هو استحمار . وقد لا يدعوك الإستحمار إلى القبائح والإنحرافات أحيانا ، بل بالعكس ، قد يدعوك إلى المحاسن ، ليصرفك عن الحقيقة التي يشعر هو بخطرها ، كيلا تفكر أنت بها ، فتنبهك الناس وهنا يغفل الإنسان ، ويتجه نحو جمال العمل ، ولطافته غافلا عن الشئ الذي ينبغي أن يَعِيه ، وهذا هو الإستحمار من طريق غير مباشر .”