“أوربا كانت منقسمة دينياً، ليس بين مسيحيين ومسلمين، ولكن بين المسيحيين أنفسهم، يشهد على ذلك الصراع الكاثوليكى البروتستانتى، لكنها الآن قادرة أن تستوعب كل الأديان. كيف حدث ذلك؟ حتى القرن السادس عشر كانت أوربا تعيش حالة من التداخل بين السياسى والدينى، الروحى والمادى، وكانت سلطة الكنيسة روحية ومادية فى الوقت نفسه، لذلك كان من الطبيعى أن يحدث الانقسام والصراع الدينى والمذهبى، لكن مع نمو البرجوازيات الأوربية، وفتح الأبواب أمام العلمانية وتحييد الدين، أصبحت أوربا قادرة على استيعاب الكل، وتحييد الدين مسألة مختلفة تماماً عن إلغاء الدين، العلمانية لا تلغى الدين، يُخطئ من يعتقد ذلك، لأن أحداً لا يستطيع إلغاء الدين، لكن فقط تحييده بمعنى أن التشريعات التى تحكم الناس فى المجتمع تكون مستمدة من أعراف وضعية وليس نصوص دينية.”
“وفي أثناء الثورة العرابية التي كانت ذروتها المظاهرة الكبري أمام قصر عابدين 9 سبتمبر 1881 لا يخشي ميخائيل عبدالسيد رئيس تحرير صحيفة "الوطن" من إبداء خوفه من نجاح العرابيين وخشيته من أن ما بنته أسرة محمد علي ينهدم في يوم واحد ونتقهقر إلي حضيض الذل بعد العز وهي إشارة الي النزعة الإسلامية في الخطاب السياسي لعرابي الذي كان يصف نفسه بأنه أحمد عرابي الحجازي.”
“ويأتي علي مبارك بعد الطهطاوي ولا يجد حرجاً في انتقاد حكم الولاة المسلمين لمصر لأنهم لم يتبعوا قواعد الشريعة في إقرار العدل والإنصاف والرفق بالرعية، وأكثر من هذا أنه لم يتردد في تعظيم بطليموس الأول "الذي أحبه الناس ولاذ بساحته أهل الفضائل، حيث لم تر مصر بعد الفراعنة أحسن من أيامه". (كتاب نخبة الفكر فى تدبير نيل مصر 1881).”
“وينظم الطهطاوى قصيدة بعنوان "منظومة مصرية وطنية" في 1855 تأييداً لوالي مصر سعيد باشا في مناصرة العثمانيين في حرب القرم ضد روسيا، ويصف مصر بالوطن (الذي تولي إمرتها الغربا، أعجاما كانوا أم عربا) وفي كل هذا لم يتهمه أحد بالانحراف عن جادة الصواب أو بالتجديد في الدين وأصوله، أو بوصفه العرب بالأغراب الذين جاءوا إلي مصر.”
“من المناسب أن نبدأ بموقف رفاعة رافع الطهطاوى الجد الأكبر لتيار الاستنارة فى مصر الذى لم يجد غضاضة وهو المثقف الأزهرى فى القول بسيدة القانون الوضعى خلافاً للحكومة الدينية وذلك تأثراً بما شاهده فى الغرب الأوربى، ونراه يُترجم القانون المدنى الفرنسى بالاشتراك مع تلميذه عبد الله بك السيد (1866)، ويقدم مفهوماً للعلم يختلف عن التصور الدينى الذى يقتصر على المتون والشروح والحواشى موضحاً أن العلم الصحيح يتناول كل القضايا الخاصة بالكون والإنسان قديماً وحديثاً (راجع مناهج الألباب المصرية فى مباهج الآداب العصرية).”