ولد الشيخ مصطفى صبري آخر شيوخ الإسلام في الخلافة العثمانية في "توقاد" سنة 1286هـ/1869م، وتعلَّم في قيصرية على الشيخ خوجة أمين أفندي، ثم انتقل إلى استانبول لاستكمال تحصيله العلمي. وفي استانبول شدَّ الشيخ مصطفى صبري انتباه مشايخه بحدة ذكائه، وقوة حافظته، وعمق تحصيله، وعيَّن مدرسًا في جامع السلطان محمد الفاتح - أكبر جامعة إسلامية في استانبول آنذاك - وهو في الثانية والعشرين من عمره، وهو منصب مرموق يحتاج إلى جدّ واجتهاد وتحصيل، ثم أصبح أمينًا لمكتبة السلطان عبد الحميد الثاني، وقد لفت انتباه السلطان عبد الحميد إليه بسعة اطلاعه وبتميزه وهو في سن الشباب بين رجال العلم الدينيين في استانبول عاصمة الخلافة.
وقد بدأ مصطفى صبري نشاطه السياسي بعد إعلان الدستور الثاني سنة 1908م، إذ انتخب وقتذاك نائبًا عن بلدته "توقاد" في مجلس المبعوثان العثماني، وكان في هذه الفترة رئيسًا لتحرير مجلة "بيان الحق"، وهي مجلة إسلامية كانت تُصدرها الجمعية العلمية، كما عُين عضوًا في دار الحكمة الإسلامية، وبرز اسم مصطفى صبري آنئذ لمقدرته الخطابية، ودفاعه المجيد عن الإسلام، ولم يلبث أن تبين له سوء نية الاتحاديين، فانضم إلى حزب الائتلاف الذي تألف من الترك والعرب والأروام الذين يعارضون النزعة الطورانية التي اتسم بها الاتحاديون، وكان نائبًا لرئيس هذا الحزب المعارض.
ولما استفحل أمر الاتحاديين، وقوي نفوذهم، فرَّ من اضطهادهم سنة 1913م إلى مصر، حيث أقام مدة، ثم انتقل إلى بلاد أوروبة فأقام ببوخارست في رومانية إلى أن ألقت القبض عليه الجيوش التركية عندما دخلت بوخارست أثناء الحرب العالمية الأولى، وظل معتقلاً إلى أن انتهت الحرب بهزيمة تركية، وفرار زعماء الاتحاديين، فعاد الشيخ إلى نشاطه السياسي في استانبول، وعيِّن شيخًا للإسلام، وعضوًا في مجلس الشيوخ العثماني، وناب عن الصدر الأعظم الداماد فريد باشا أثناء غيابه في أوروبة للمفاوضة، وظلَّ في منصبه إلى سنة1920م فتركه عندما اختلف مع بعض الوزراء ذوي الميول الغربية.
وعندما استولى الكماليون على العاصمة فرَّ إلى مصر سنة 1923م، ثم انتقل إلى ضيافة الملك حسين في الحجاز، ثم عاد إلى مصر حيث احتدم النقاش بينه وبين المتعصبين لمصطفى كمال، فسافر إلى لبنان، وطبع هناك كتابه "النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة".
ثم سافر إلى رومانية، ثم إلى اليونان؛ حيث أصدر مع ولده إبراهيم جريدة "يارين" - أي الغد - وظل يصدرها نحو خمس سنوات، حتى أخرجته الحكومة اليونانية بناء على طلب الكماليين، فعاد إلى مصر حيث اتخذها وطنًا ثانيًا.
وفي مصر عاش منافحًا عن الإسلام لا يخاف في الله لومة لائم، على الرغم من كبر سنه وفقره المدقع، مع التجمل في الظاهر والتجلد للشدائد.
وللشيخ مصطفى صبري رحمه الله تعالى مئات المقالات بالتركية والعربية نشرها على صفحات الجرائد ولم تجمع بعد.
وقد توفي الشيخ رحمه الله بمصر سنة 1373-1954م، ودفن فيها.
http://www.ikhwanwiki.com/index.php?t...