“إن خصوصية المصدر أو المنشأ، لا تعني أن تعاليم الإسلام تحوّل البشر إلى ملائكة، أو تحيل الأرض جنة ونعيما مقيما. إنما يظل البشر بشرا بما فيهم الصالحون والطالحون وتظل الأرض أرضا يتنازعها الخير والشر. غاية ما هناك أنها تطرح حلولا أعمق لمشكلات الفرد والمجتمع، وتوفر إمكانية أفضل لتحقيق الخير وإقامة العدل بين الناس.وذلك كله لا سبيل إلى بلوغه إلا بالناس، وخضوعا لنواميس الكون وقوانين الأرض، وليس بعصا سحرية ولا خوارق أو معجزات”
“إن الحرب المعلنة والخفية، المباشرة والغير مباشرة، بين الوهابية والسلفيين عموما، وبين الشيعة ينبغي أن يوضع لها حد وأن تقف، على الأقل من على المنابر العامة ومن لغة المؤسسات والمنظمات التي تلقى دعما من جانب بعض الحكومات العربية. وبغير إنجاز هذه الخطوة، فإن أجواء التسميم ستظل مستمرة، وأجواء الوفاق ستظل محجوبة.”
“إن التاريخ حمال أوجه حقا، إذا أردت أن تستخلص من بعض وقائعه أن ثمة "استحالة" في التعايش بين العرب وإيران، فلن يستعصي عليك الأمر. وإذا أردت أن تقرأه بمنهج مخالف فإن الأمر ميسور بذات القدر. وقد تتوقف المسألة على رغبتك أو مرادك. إن أردت انقطاعا وانفصالا وجدت، وإن أردت اتصالا نجحت.”
“وكان الخطاب السياسي العراقي أول ما فتح الباب لإثارة البعد القومي او العرقي، مرة بتسمية المعركة ضد إيران باسم "القادسية" ، استلهاما من المعركة الأولى للمسلمين ضد الفرس، التي انتصر فيها جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص، على "رستم" قائد جيش الفرس. رغم أن المواجهة لم تقم في الأساس على صراع العرب والفرس، وإنما كان أساسها هو صراع الإسلام ضد الشرك.”
“هناك بعد آخر مهم في هذا الصدد هو أن إيران القومية ليست بحاجة إلى العالم العربي بينما إيران الإسلامية بحاجة حقيقية إليه.فالعالم العربي بالنسبة للأولى سوق أو منافس في انتاج النفط أو محيط استراتيجي - غير أن الصيغة الثانية تتعامل مع العالم العربي - فوق ذلك - بحسبانه معقل الأغلبية السنية، أي قيادة 90% من الأمةالإسلامية، التي يشكل الشيعة فيها 10% فقط، 40% منهم في إيران، والباقي في دول أخرى آسيوية بالدرجة الأولى، حتى في الجانب الشيعي التي تقف فيه إيران الإسلامية فإن أهم مقدساته في العالم العربي.سواء ما كان منها في مكة والمدينة، أو مزاراته في العراق التي سبقت الإشارة إليها. حيث توجد هناك سبعة من أضرحة أئمة الشيعة الإثنى عشر.”
“لا يهمنا كتابات "الآحاد" من هنا وهناك من متعصبي السنة أو الشيعة، ولا يزعجنا كثيرا كتاب يصدره شاب تونسي من أهل السنة تحول إلى التشيع. فكتب تجربته تحت عنوان استفزازي هو : ثم اهتديت!_ أو كتب كتب يبادر إلى تأليفها بعض راكبي "الموجة" في بلاد العرب أو في الهند كان كل همها هو إخراج الشيعة من الملة.الذي يهمنا هو موقف المؤسسات التي أشرنا إليها، التي نذهب إلى أنها إذا اختارت الموقف الصحيح فإنها ستقود السفينة إلى بر الأمان بإذن الله وعونه وتوفيقه.”
“إن ثمة مهاما كثيرة وملحة في الحاضر والمستقبل يرجى انجازها، بل ينبغي انجازها، لأننا إزاء الذي يجري حولنا، صرنا مخيرين بين أن تكون أو لا نكون. ولكي نكون، لكي نحمي الديار والكيان والهوية، فليس أمامنا إلا طريق واحد يتعين المضي فيه. وما رحلتنا التي قطعناها في هذه الدراسة إلا محاولة للتقدم على ذلك الطريق. ونحن لسنا مطالبين بأكثر من النية الخالصة والسعي الجاد.أما التوفيق والسداد فمن الله وحده.هل من مجيب أو مبادر؟؟”
“بل وصل الحال فى عهد معاوية أن دخل عليه أحدهم وهو فى مجلس الخلافة فحياه قائلا : السلام عليك أيها الأجير.وعندما اعترض عليه نفر من الجالسين أصر على مقولته متسائلا: ألم يستأجرك الله لرعاية هذه الأمه؟.وهو ذاته الذى هب فى وجه معاوية عندما حبس بعض الهبات المالية عن المسلمين وقال له أمام الجميع: كيف تمنع العطاء وأنه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك؟!”
“في إيران يصبح الخيار الإسلامي أكثر إلحاحًا فحيث تعددت الأصول العرقيّة فإن الإسلام يلعب دور "الجامع المشترك الأعظم" .. هنا يكتسب الإسلام أهمية مضاعفة إذ لايقف تأثيره فقط عند كونه "الردّ" في معرك التحدي الحضاري ولكنه أيضًا "الهوية" التي يعتصم بها الناس في مواجهة التجزئة والتفتت ..و الثورة لم يكن من أهدافها أن تحررّ المستضعفين من ظلم الشاه لتلقي بهم في أتون الحرب؛ وأن هؤلاء المستضعفين أيّدو الثورة لكي يتبوءوا مكانهم في الدنيا بعد طول مذلّة وانسحاق وليس لكي ينتظموا في قوافل إلى الآخرة حتى وإن رست بهم على أبواب الجنة .”
“ما أن أطلت الخمسينيات حتى ظهرت على الساحة منظمة "فدائيان إسلام" بقيادة أحد الفقهاء الشبان وهو "نواب صفوى" معلنة الكفاح المسلح ضد الشاه وبطانته في صحيفتها الشهيرة "منشور برادري" أو نشرة الاخوة وكتابها الأساسي "بيان فدائيان إسلام" أو دليل الحقائق. في ذلك الكتاب الذي طبع سنة 1950 يقول نواب صفوي صراحة : إيران ببركة الحكومة الخائنة انتشر فيها الفقر والمرض والجهل، وهاهم أبناء الشعب يصرخون ويستغيثون ولكن الحكومة الظالمة ورجالها اللصوص لا يسمعون أصواتهم- أيها المجرمون الخونة إيران دولة إسلامية وأنتم لصوص وغاصبون للحكومة الإسلامية. ولم تكتف المنظمات بالبيانات وإنما قامت بتصفية العديد من رموز النظام جسديا”
“حاول الشاه أن يحسن من صورته امام الناس وأمام العالم الخارجي عن طريق اقامة هياكل سياسية وهمية توحي بشكل الممارسة الديموقراطية فأنشأ حزبين توأم هما : "مردم" اي الشعب، و"مليون" أي الوطنيون، وهو الذي سمي فيما بعد "إيران نوين" أي ايران الجديدة. ونصّب اثنين من رجالة على راس الحزبين، ولجأ فيما بعد سنة 1975 إلى إلغاء الحزبين واستبدالهما بحزب واحد هو "رستاخيز ملت" أي البعث الشعبي، وأعلن أن من لا ينضم إلى حزبه إما عميل أو خائن وعليه إما يغادر البلاد أو يدخل السجن، .. وهو ما أثار الجماهير ودفعها إلى السخرية المرة من الشاه وحزبه "رستاخيز" فأطلقت في طهران على صحيفة الحزب الذي حملت اسمه كلمة واحدة هي : "رسوا خير" ومعناها "منبع الفضيحة"ـ”
“لأن الشاه في عودته إلى العرش كان مدينا للمخابرات المركزية الأمريكية بالدرجة الأولى، فإن ارتباطة بالمخططات الأمريكية تزايد منذ عام 1953 ، إذ تضخمت أعداد المستشارين الأمريكيين عسكريين ومدنيين حتى وصل عددهم إلى أربعين ألفا وصدر قانون يمنحهم حصانة قضائية خاصة.مما اثار سخط علماء الدين والعامة في البلاد”
“شهدت بداية الستينيات اتجاه الشاه إلى اتباع سياسة تصفية العناصر والتيارات السياسية التي عارضته ووقفت بجوار الدكتور محمد مصدق في مواجهته الشهيرة للشاه وأسرته عام 1952 وتلك كانت المهمة الاساسية التي انيطت بجهاز الشرطة السرية (الساواك) الذي أنشأه الشاه عام 1953 (الكلمة اختصار لعبارة "سازمان اطلاعات وأمنيت كشور" أي منظمة المخابرات وأمن الدولة، ثم توالت الضربات المتلاحقة التي أصابت اليسار الايراني ممثلا بحزب توده المركسي. إذ تم اعتقال اعداد ضخمة من أعضائه قدرتهم مصادر الحزب بحوالي 5000 عضو، بينهم 40 اعدموا، و14 ماتو تحت التعذيب، واكثر من 200 حكم عليهم بالسجن المؤبد”
“قد كان مناخ الستينيات في إيران ذروة المواجهة مع قوى الاستعمار وأذنابه وكانت الجماهير معبأة ومشحونة وجاهزة للانفجار بعد أن تتابعت حلقات الثورة في المنطقة فقد انفجر الموقف في سوريا سنة 1949، وتزلزل عرش الشاه بعد تأميم نفط إيران على يد محمد مصدق سنة 1952 ، وقامت ثورة يوليو في مصر سنة 1952 ،وتتابعت بعدها الثورات في العراق واليمن، الشمالي والجنوبي، والجزائر وهو ما ارتبط بظهور منظمة فتح الفلسطينية ، وفي هذا المناخ قد قامت العاصفة ضد الشاه ودوّت العبارات الرافضة للنظام ولكل رموزه وممارساته”
“إن السؤال العاجل والملح هو : كيف يمكن أن تحل مشكلات الناس على أفضل وجه , وليس على الإطلاق من أين يأتي ذلك الحل وما هي هويته؟ إن المصب هو الذي ينبغي أن يعنى به الجميع وليس المنبع”
“لقد جاءت آية واحدة في القرآن الكريم تأمر بإقامة الحد على السارق ، ولكن عشرات الآيات جاءت تأمر بالإنفاق وإيتاء للزكاة في سبيل لله وتحض على إطعام المسكين وتحذر من الكنز والشح والتطفيف والربا والميسر والظلم بكل أنواعه ، وتقيم العدل والتكافل بحيث لا يسرق في المجتمع المسلم الحق محتاج أو محروم”
“رابعة تلك الملاحظات أن الإيرانيين لم يكونوا على استيعاب كاف لتطورات الوضع العربي ، التي هي في مجملها أقرب إلى السلب منه إلى الإيجاب ، ذلك أنه حتى قرب نهاية الستينات كانت للجماهير العربية قيادة متمثلة في جمال عبد الناصر . و كانت قيم النضال ضد الاستعمار و الثورة لاستخلاص الحقوق مما تبناه الشارع العربي و وقف وراءه . كان للجماهير العربية حضور ، فضلا عن أنه كانت ثمة قيادة تعبر عن ضمير تلك الجماهير و طموحتها . ابتداء من السبعينات تغيرت تلك الصورة ، غاب الرمز و غاب دور الشارع . و ظهرت خريطة من القيم السلبية الجديدة في الواقع العربي ، تتبنى الإنحياز إلى المعسكر الغبي من ناحية ، و ترفع شعارات الإقليمية و التجزئة من ناحية أخرى . و بدأت في العالم العربي مرحلة "الأنظمة" التي تعاظم دورها على حساب دور الشارع و الجماهير . هذه الظروف في مجموعها كان لها تأثيرها الضروري على القيادة الفلسطنينة . كان لابد لتلك القيادة أن تتعامل مع الواقع العربي بمتغيراته السلبية ، إذ لم تكن في موقف يسمح لها لا بتحدي هذا الواقع و لا بتغييره . و هذا ما لم تدركه القيادة الإيرانية ، و حاسبت الفلسطينيين من منطلق خاطيء تماما ، منفصل عن تلك المتغيرات في الواقع العربي .”
“و إذا كان الشعور بالولاء قد دفع الألوف من مسلمي الهند إلى هجرة أهلهم و ديارهم إلى أفغانستان عندما خاضت بريطانيا الحرب ضد الخلافة العثمانية ، معتبرين أن بلادهم - و هي المستعمرة البريطانية - قد صارت "دار حرب" واجبة الترك ، فإن الشعور بالانتماء دفع الإيرانيين للذهاب إلى ما هو أبعد ، إذ اعتبروا أن استمرار الاغتصاب الإسرائيلي لفلسطين بمثابة عدوان على ديار الإسلام . يظل رده مسئولية كل مسلم . فوقفوا دون تردد إلى قضية الثورة . و اعتبروا منذ للحظة الأولى أن مكانهم الطبيعي في الخندق الفلسطيني . واستعصى عليهم - ولا يزال - أن يفهموا غير لغة النضال المسلح ضد اسرائيل ، بقدر ما أنهم لم يتصوروا لهم مكانا خارج المربع الفلسطيني .”
“و سيظل عسيرا على العالم العربي ، أن يستوعب مدى تعلق أعاجم المسلمين بدينهم ، ما لم يدرك حقيقة المشاعر الجياشة التي تعمل بين جنبات تلك الملايين المؤمنة . المبعثرة بين "غانه وفرغانه" بتعبير الجغرافيين العرب القدامى ، أولئك الذين تلقوا الإسلام منذ قرون ، ثم تقطعت بيننا و بينهم السبل ، بعد إذ تغيرت خرائط التاريخ و أقيمت حوائط الجغرافيا . لكنهم ظلوا قابضين على الجمر . قلوبهم تتحرق شوقا إلى وصل ما انقطع مع ديار الإسلام ، و أحلامهم العطشى - و أبصارهم - تعلقت بالعالم العربي . الذي هو عندهم منبر الإسلام و بيته ، و فيه كعبة المسلمين و قبلتهم .”
“من وجهة نظر السلاطين اذا بادر الاسلاميون إلى التأييد و التبريك و إذا خرجت طوابير الطرق الصوفية في مواكب الاستقبال و التوديع , واذا أقيمت صلاة الشكر عندما يتهلل وجع السلطان وصلاة الخوف إذا قطب حاجبيه و صلاة الاستسقاء إذا عطش , إذا حدث ذلك فمرحبا بالوصل (أي و صل السياسة و الدين) و سحقا للقائلين بالفصل (أي فصل الدين عن السياسة)”
“المشروع الايراني ليس بالضرورة النموذج الحضاري الواجب الاحتذاء ، غير أن أهم ما فيه ينطلق من الاصرار على الانعتاق من سلطان الغرب ، و العودة إلى الذات الحقيقية . أما "متى" يمكن أن يتبلور المشروع ، و "مدى" نجاحه أو إخفاقه ، فذلك شأن آخر .”
“ترفع عينيك فإذا أكبر ميدان للشهيد ، و إذا بأسماء الشهداء منقوشة على الشوارع و الأزقة ، حتى تكاد تصبح خارطة إيران بمثابة "دليل" للشهداء ، و هو دليل تتسع دائرته لتشمل بعضا من الشهداء العرب ، المصريين خاصة الذين قتلهم الظلم . فهناك شارع باسم " أستاذ حسب بنا" و آخر باسم "سيد قطب" و ثالث باسم "خالد الاسلامبولي" و رابع باسم " سليمان خاطر" . الوحيد من الأحياء المصريين الذين أطلق اسمه على شارع هو "شيخ عبد الحميد كشك المصري" . تسأل عن السبب فيقال لك : ألم يقف الرجل إل جانب شهدائنا في الحرب ؟”
“و ربما كانت الإيجابية الوحيدة للصراع الذي دار بين الإسلاميين و غيرهم بعد نجاح الثورة ، أنه أسهم بطريق غير مباشر في توحيد الصف الإسلامي و استمرار تماسكه ، و لكن حسم ذلك الصراع لصالح الإسلاميين هيأ الفرصة لظهور ما كان مخفيا أو منسيا بينهم من عناصر التمايز أو التناقض ، و هو أمر ليس مستغربا في تجارب الثورات ، تبدأ بخصومها ، ثم حلفائها ، ثم تدور الدائرة على صناعها ، إلى أن يستقر الأمر لفرد أو لفريق متجانس تماما في الأهداف أو الطموح.”
“اذا تنازع مسلم وكافر علي صبي غير معروف النسب.وقال المسلم إنه عبد له,بينما قال الكافر إنه ابن له ,فإن علي القاضي أن يحكم بحريته وبنوته للكافر”
“وفي مختلف كتاباتهم وحوارتهم [إشارة إلى "العلمانيين المتطرفيين" حسب وصف الكاتب] فإنهم ما اتفكوا يدسون على عقولنا أفكارًا وصياغات تضفي على التطبيق الإسلامي صفات الكراهة والنفور، فهو عندهم يتلبس الحق الإلهي، ويُباشر بدعوى التفويض من الله، ويتخفى بقناعات العصمة والقداسة، ويُحيل الحكم إلى كهنوت يحتكره القابضون على أسرار الشريعة القائمون على السلطة الدينية. وهم في ذلك كله ما برحوا يحتجو علينا بتاريخ لم ينبت لنا في أرض، ويخوفوننا بعفاريت لم تدخل لنا بيت، ويصطنعون أوهامًا وكوابيس ما أنزل الله بها من سلطان، لا في ماضي المسلمين ولا في فكرهم ولا في تعاليم دينهم”
“إن الذين لا يرون في الإسلام إلا قائمة محرمات و ممنوعات في جانب ، ثم لائحة عقوبات و زواجر في جانب آخر، يفعلون بالإسلام تمامًا كما فعل الدب الذي أراد أن يحمي صاحبه فقتله ، و إن كانت النتيجة أفدح . ذلك أن المجني عليه في القصة الشهيرة هو مجرد فرد واحد ، و لكن المجني عليه فيما نحن بصدده هو عقيدة بأكملها !إن هؤلاء يصغرون من شأن الإسلام من حيث لا يشعرون . يحولونه من رسالة هداية للبشر و رحمة للعالمين إلى فرمانات إلهية ، تأمر و تنهى ، و توزع طوابير الناس على درجات جهنم ، حتى أسفل سافلين !”
“إذا بات قدر الكاتب الذى يعلن إنتمائه الاسلامى و يصر أن يخوض بدينه معركة التقدم , أن يواجه فى مسيرته ثلاث معارك فى آن واحد . أولها ضد الناقدين للإسلام , و ثانيها ضد المتربصين بالعاملين فى ميدان الدعوة , و الثالثة مع فصائل المتدينين انفسهم”
“لا أعرف إلى أى مدى فوجئ العالم العربى بلغة المحامين المصريين. لكن الذى أعرفه أنها ليست مشكلة المحامين وحدهم. ولكن المحامين مجرد «عينة» لمستوى خريجى الجامعات، الذين انتقلوا من الأمية اللغوية التى حصلوها فى مراحل التعليم السابقة. إلى مستوى آخر من الأمية فى الجامعات التى لا توجه أى عناية للغة العربية، بل إن بعض كلياتها أصبحت تتباهى بأنها فتحت أقساما «أرقى» تدرس باللغات الأجنبية، وطلابها وطالباتها ينظرون بدونية إلى زملائهم الذين يدرسون باللغة العربية.إذا تتبعنا المشكلة فى عمقها فسنجد أن انحطاط اللغة الفصحى له أسباب عدة من بينها اتصاله الوثيق بتراجع مؤشرات الاعتزاز بالهوية والكبرياء الوطنى. ولذلك فإن انحطاط اللغة يظل من تجليات الانحطاط الثقافى والهزيمة الحضارية. ولذلك قيل إن اعوجاج اللسان علامة على اعوجاج الحال.إن مراحل الضعف السياسى والانكسار الحضارى تصيب البنية الثقافية فى مقتل، بذات القدر الذى تضعف فيه مراكز العافية الأخرى فى المجتمع. لذلك فإن تدهور التعليم يصبح ضمن أخطر تلك الانهيارات، ذلك أنه لا يقوض الحاضر فقط لكنه يدمر المستقبل أيضا ــ من هذه الزاوية أزعم أن الأداء البائس للمحامين يظل أحد القرائن التى تدين عهد مبارك، وأن أولئك المحامين أصبحوا من حيث لا يدرون شهودا على انحطاط عهده الذى لم تصغر فيه مصر فقط، ولكنها مسخت وتشوهت أيضا.حين انهار التعليم فى مصر، لم ينحط مستوى الإحاطة باللغة العربية ولا ضعف مستوى الخريجين فقط، ولكن أدى ذلك إلى انتعاش المدارس الأجنبية التى باتت تهدد وجود العربية الفصحى ذاته. وفى الوقت الراهن فإن كل أبناء القادرين جرى احتلال لسانهم باللغة الإنجليزية إلا من رحم ربك بطبيعة الحال. واستمرار هذا الوضع يجعلنا نتشاءم كثيرا بالمستقبل، الذى أزعم أن الفصحى ستلقى فيه ضربات قاصمة وقاضية.فى أجواء الهزيمة ينتعش المتغربون ويجترئ الغلاة والمتعصبون الذين يعادون العربية الفصحى ويحتقرون شأنها. ولدينا فى مصر من بات يبث برامج تليفزيونية ونشرات إخبارية باللهجة العامية، فى عداء سافر للعربية الفصحى وللهوية التى عبر عنها. وقد بلغ احتقار العربية والازدراء بها حدا جعلنا نقرأ فى إعلان قبيح نشر أكثر من مرة فى شهر أبريل الماضى أن: الشبكتين بؤا (بقيا أو أصبحا) شبكة واحدة والفرحة بَئِت فرحتين!إن احتقار اللغة عار يعبر عن التصاغر واحتقار الذات.”
“حين أطالع أمثال تلك الفتاوى المفخخة التى يطلقها أولئك النفر من الدعاة الجدد، وألحظ ما فيها من جرأة وتغليط، تنتابنى الدهشة ويتملكنى العجب، الأمر الذى يدفعنى إلى القول بأنه إذا كان أبناء الإسلام يقدمونه بهذه الصورة، فان تشويهه لا يحتاج إلى أعداء.”
“إننا نستأسد على بعضنا البعض، ونتسابق على الإقصاء والتشويه واصطياد النقائص والزلات، لكن حصيلتنا صفر على صعيد التوافق والتلاقى والتنافس على خدمة الناس ومحبة الوطن.”
“إن هناك تنظيمات متطرفة للعلمانيين ينبغي أن تـُدان كما أدينت تنظيمات دينية متطرفة. والفرق بين الفريقين هو أن المتطرفين دينيا شباب مندفع سلك طريقه على سبيل الخطأ، وأن الآخرين شيوخ مجرِّبون - بعضهم محترفون - اتخذوا مواقعهم عمدا ومع سبق الإصرار والترصد.”
“إننا لا نريد انتقاصاً من دين طرف أو من حقوق طرف آخر .. ولكن التحدي الحقيقي الذي يواجهنا هو : كيف يمكن أن نتوصل إلى صيغة تقيم الدين بتمامه هنا وتحفظ الحقوق بكمالها هناك ؟”
“إننا لا نريد أن ننتقد جمود الفكر الديني من ناحية .. ثم نمارس جموداً في الفكر السياسي من ناحية ثانية.كما أننا لا نريد أن نحث الإسلاميين على حسن قراءة الواقع والالتصاق به في جانب .. بينما نفاجأ بالسياسيين يديرون ظهرهم للواقع ويتجاهلون عناصره ومعطياته.”
“رجل الأمن ليست وظيفته أن يحمي الواقع .. وليس له أن يصادر الحلم .. إنما مهمته ورسالته هما أن يحرس القانون .. وأن يؤمن مختلف الممارسات التي تتم في إطاره.”
“وهي مفارقة مدهشة أن يكون جند الله ودعاته , في مقدمة الذين يفتقدون إلى الوعي الكافي بسنن الله. وأن يكون دأب بعضهم هو القفز فوق هذه السنن ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً !”
“إن أحد المآخذ الأساسية التي تحسب على أكثر الحركات الإسلامية المعاصرة أنها تعاني من خلل مفجع في ترتيب الأولويات التي توجه إليها نشاطاتها ، ومن غرائب الأمور أن هؤلاء تشغلهم قضية إطلاق اللحى -مثلاً- بأكثر مما تشغلهم قضية إطلاق الحريات ! و قد أدى بهم ذلك إلى أنهم عزلوا أنفسهم عن آمال الجماهير و طموحاتها . كما عزلوا أنفسهم عن فصائل النضال الوطني ، إذ اختاروا جبهة شديدة التواضع ، و مضوا يقاتلون عليها .. و يقتلون !و هي مفارقة مدهشة أن يخوض حملة الإسلام يوم نزلت الرسالة معركتهم الأساسية لصالح تحرير الإنسان من الوثنية و الشرك ، وثم يدور الزمن ، و تمضي 14 قرناً و إذا بمعارك أكثر حملة راية الإسلام تدور حول اللحى و موضع الساعة في اليد اليمنى أم اليسرى ، و المفاضلة بين البنطلون و الجلباب !”
“و في التاريخ المعاصر للدعوة الإسلامية درس بالغ الأهمية ، يدلل على فداحة الثمن الذي يمكن أن يدفعه الإسلاميون عندما يغيب عن إدراكهم هذا الوعي بقيمة الحرية . و على سبيل المثال فانه عندما صدر قرار بحل الأحزاب السياسية المصرية في الخمسينات ، التي كان وجودها أحد أشكال الممارسة الديمقراطية ، فإن فريقاً لا يستهان به من الحركة الإسلامية رحب بالقرار وقتئذ ، و هتف بعضهم بعبارة " و هزم الأحزاب وحده " .”
“وقد كان الإمام الشيخ شلتوت واحدا من الذين حاولو بالمنطق الهادىء أن ينبهوا إلى " ضرورة القراءة الصحيحة للسنة " وسجل رأيه فى كتابه المعروف " الإسلام عقيدة وشريعة " , قائلا : إن السنة تشريع وليس تشريع فمن السنة التى لاتعتبر تشريعا ولا تلزم المسلمين .: مايعتبر سلوكا شخصيا للرسول عليه السلام , أو أراء مبنية على إجتهادات وتجارب خاصة . ولعلنا نذكر هنا قصته مع بعض أهل المدينة , الذين نصحهم فى مسألة زراعة النخيل , وعندما أبلغ أن النصيحة لم تحقق هدفها المرجو قال أنتم أعلم بشؤون دنياكم ثم أضاف الشيخ شلتوت أن السنة التى تعد تشريعا لها درجات * ماصدر عن النبى بإعتباره مبلغا ورسولا " كأن يبين مجملا فى القرآن أو يخصص عاما أو يبين شأن فى العبادات , أو الحلال أو الحرام ,أو العقائد والأخلاق " وهذا يعتبر تشريعا ثابتا يلزم كافة المسلمين متى علمو به * ما صدر عن الرسول بوصفه إماما لجماعة المسلمين , مثل بث الجيوش وإنفاق بيت المال , وتولية القضاه وعقد المعاهدات . وذلك لايعد تشريعا عاما ولايجوز الإقدام عليه إلا بإذن الحاكم . وليس لأحد أن يفعل منه شيئا من تلقاء نفسه بحجة أن النبى فعله أو طلبه * ماصدر عن الرسول لابإعتباره مبلغا ولابإعتباره إماما للمسلمين ولكن صدر عنه بإعتباره قاضيا يفصل فى الدعوة بين المسلمين وذلك لايعد تشريعا , فليس لأحد أن يستند إلى حكم قضى به الرسول لينال حقا له دون الرجوع إلى سلطة او قضاء”
“بمنتهى الزهو والإعتداد نتحدث دائما "عندما كنا " . نغالط ونعمم التعبير حتى نعطى إنطباعا أن الذى نزهو به هو جهدنا جميعا , وليس جهد غيرنا الذين رحلو عنا منذ قرون”
“فإن حديث رسول الله يحل المشكلة من أساسها : إذا روى لكم حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فإقبلوه وإلا فردوه”
“ظلمو الإسلام حينما حينما قدموه إلى الناس قوالب صخرية مجمدة, وحينما إمتدت عبادة نصوص القرآن والسنة إلى عبادة نصوص الفقهاء. ومدارس عبادة النصوص هذه ظلمتنا عندما حاولت أن ترسخ فى أعماقنا أن الدين هدف لاوسيلة , وأن الإنسان للدين وليس الدين هو الذى جاء من أجل الإنسان”
“فى غيبة الحرية تسود القيم الوثنية و تمتد القداسة و الحصانة "لسادتنا وكبرائنا" و "ما وجدنا عليه اباءنا”
“المعارضة في الإسلام ليست حقا فقط ولكنها واجب و تكليف شرعي أيضا!”
“إن العلمانية بطبقاتها المختلفه ينبغي أن يعترف بهم المشروع السياسي الإسلامي وينبغي أن نفرق بين علمانية متصالحة مع الدين وأخرى مخاصمة له”
“فكرة التعددية لم تعرفها أوروبا إلا من خلال احتكاكها بالدولة العثمانية، التي طبقت نظام "الملل" منطلقة من سعة الإسلام، فأفسحت الطريق لكل آخر مكانا ومكانة، حتى أمنت وحمت كافة التمايزات الدينية التي حفلت بها البلدان الداخلة في نطاق الإمبراطورية.. وقد شاءت المقادير أن تنضج الفكرة في التجربة الأوروبية ،وتتحول في نهاية المطاف إلى واحدة من أهم قيم الممارسة الديمقراطية التي صرنا نحن نتطلع إليها وننشدها. بل وصار كثير من الباحثين الغربيين يحاكمون بها الإسلام وينسبون إليه عجزا عن استيعاب التعددية!”
“نحن نفهم أن تقوم المواقف باعتبارها اجتهادات في التصور الإسلامي ، لكننا نرفض أن يتبنى طرف رأيا يستنبطه من واقع اجتهاده وتقديره الخاص ، ثم يعرضه علينا بحسبانه رأي الإسلام الأوحد، وزاعما أن الإسلام يقبل كذا أو يرفض كذا.. ذلك تدليس في عالم الفقه والفكر ،لا يقره عقل أو نقل!”
“يقول الشيخ محمد عبدالله دراز :"كل إنسان له في الإسلام قدسية الإنسان، إنه في حمى محمي وحرم محرم. ولا يزال ك1لك حتى يهتك هو حرمة نفسه. وينتزع بيده هذا الستر المضروب عليه، بارتكاب جريمة ترفع عنه جانبا من تلك الحصانة... بهذه الكرامة يحمي الإسلام أعداءه، كما يحمي أبناءه وأولياءه.. وهذه الكرامة التي كرم الله بها الإنسانية في كل فرد من أفرادها، هي الأساس الذي تقوم عليه العلاقات بين بني آدم" - ( نظرات في الإسلام ص 164)”
“فأية دعوة لاستحضار الإسلام تغفل دور الديمقراطية كآلية في إدارة المجتمع وكقيم تظلل حركته، تلغي في واقع الأمر أهم مقاصد الشريعة، وتهدد نظام الحياة الحرة التي تطمح إليه رسالة الإسلام.”