جرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميمي (33 هـ - 110 هـ/ 653 - 728 م) شاعر من بني كليب بن يربوع من قبيلة بني تميم وهي قبيلة في نجد، ولد في بادية نجد و يؤكد ذلك قوله في إحدى مطلع قصائده انظر خليلي بأعلى ثرمداء ضحى ـ والعيس جائلة، أعراضها جُنُفُ. حيث أن ثرمداء مدينة في منطقة الوشم في قلب نجد و في باديتها وادي إسمه وادي الكليبية نسبةً إلى بني كليب قبيلة الشاعر
من أشهر شعراء العرب في فن الهجاء وكان بارعًا في المدح أيضًا. كان جرير أشعر أهل عصره، ولد ومات في نجد، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل. كان عفيفاً، وهو من أغزل الناس شعراً. بدأ حياتة الشعرية بنقائض ضد شعراء محليين ثم تحول إلى الفرزدق "ولج الهجاء بينهما نحوا من أربعين سنة" [1] و إن شمل بهجائة أغلب شعراء زمانة [2] مدح بني أمية ولازم الحجاج زهاء العشرين سنة [3]
وصلت أخباره وأشعاره الآفاق وهو لا يزال حيا، واشتغلت مصنفات النقد والأدب به. اقترن ذكره بالفرزدق والأخطل.
نشأ جرير في بادية نجد وعاش فيها وتعلم الشعر مبكرًا على لسان جده حذيفة بن بدر، وقد نشأ في العصر الأموي الذي تعددت فيه الأحزاب فكان لكل حزب شعراؤه الذين يتحدثون باسمه ويذودون عنه. وكان على جرير أن يذود عن شرف وكرامة قبيلته فاضطر أن يفني عمره في مصارعة الشعراء وهجائهم حتى قيل أنه هجى وهزم ثمانين شاعرًا في عصره[5]، ولم يثبت منهم إلا الأخطل والفرزدق [6]
شاع أن جريرا من الذين "هجوا فوضعوا من قدر من هجوا" شأن زهير وطرفة والأعشى والنابغة [7] . لذلك لم يرفع بنو نمير رأسا بعد بيت جرير الإ نكس بهذا البيت [8] وصنعت الأخبار في ما يجد خصمه من العناء و الموت أحيانا [9] لنجاعة شعره وعميق أثره في الناس وجرت أشعاره مجرى الأحاجي [10] و تمثلوا بها في تصاريف حياتهم و وضعت فيها الأصوات ونسبت إلي آراء في المغنين [11]، وجعل رواية لأخبارهم،[12] ومورثهم الشعر [13]، وأتصل بهم وسافر إليهم لينصت إلا ماوضعوا في أشعاره من أصوات [14]، ولذلك سارت أشعاره في كتب الأخبار والتاريخ وجرت فيها مصادر معرفة وأقيسة في الإفتاء : أمر الحجاج بن يوسف (ت95هـ) بأن تضرب عن سعيد بن جبير وقد نكث ببيعتين لأمير المؤمنين، وجعل مرجعه في هذا الأمر قول جرير:
[15]
يا ربّ ناكث بيعتين تركته وخضاب لحيته دم الأوداج
وأعرض الخليفة المنصور (ت158هـ) عن الزواج بأخت هشام بن عمرو التغلبي، لبيت قاله جرير في بني تغلب:
لا تطلبنّ خؤّولة في تغلب فالزنج أكرم منهم أخوالا
قال : «""فأخاف أن تلد لي ولدا فيعبر بهذا البيت"".» [16]
شاعت إذن الأخبار في شعر جرير وسيرته في الناس، وشاعت الأخبار التي تنزل جرير منزلة الناقد في تقدير مراتب الشعراء والحكم بينهم.[17] وشبهت منزلته من شعراء الإسلام بمنزلة الأعشى من شعراء الجاهلية ، فهو أستاذهم [18] لذلك أقر الراعي النميري (خصم جرير) بأن: «"الإنس والجن لو اجتمعت ما أغنوا فيه شيئا".»[19]
ولذلك أيضا قال أبو مهدي الباهلي، وهو من علماء العرب: «"لا يزال الشعراء موقوفين يوم القيامة حتى يجيء جرير فيحكم بينهم".» [20]
قال اعرابي في مجلس الخليفة عبد الملك بن مروان وكان عنده جرير: «"بيوت الشعر اربع (مدح وفخر وغزل وهجاء) وفي كلها غلب جرير".»
ففي الفخر قال :
إذا غضبت عليك بنو تميم حسبت الناس كلهم غضابا
وفي المدح قال :
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
وقوله في الغزل :
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحين قتلانا
وفي الهجاء قوله :
فغض الطرف انك من نمير فلا كعبًا بلغت ولا كلابا
فبره جرير ناقة ومئة دينار وبره الخليفة مثلها.
2 - وقالت العرب في المفاضلة بين جرير والفرزدق :
جرير جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت في صخر جرير
و ذلك دلالة علي أن شعر جرير ذو طابع رقيق منساب بينما كان شعر الفرزدق يتميز بالفخامة وكثرة التنقيح والتدبيج.
اتفق علماء الأدب، وأئمة نقد الشعر، على انه لم يوجد في الشعراء الذين نشؤوا في ملك الإسلام أبلغ من جرير والفرزدق والأخطل، وانما اختلفوا في أيهم أشعر، ولكل هوي وميل في تقديمه صاحبه، فمن كان هواه في رقة النسيب، وجودة الغزل والتشبيب، وجمال اللفظ ولين الأسلوب، والتصرف في أغراض شتى فضّل جريراً، ومن مال إلي إجادة الفخر، وفخامة اللفظ، ودقة المسلك وصلابة الشعر، وقوّة أسره فضّل الفرزدق، ومن نظر بُعد بلاغة اللفظ، وحُسن الصوغ إلي إجادة المدح والإمعان في الهجاء واستهواه وصف الخمر واجتماع الندمان عليها، حكم للأخطل، وإن لجرير في كل باب من الشعر ابياتاً سائرة، هي الغاية التي يضرب بها المثل، ومن ذلك قوله في الفخر:
إذا غَضِبَتْ عليكَ بنو تميم حَسِبْت الناس كلَّهُم غِضابا