“يجادل أوبراين (في رواية 1984) بأنه كمُمثل للدولة فإن من سلطته "تمزيق العقل الإنساني إلى قطع ثم إعادة تركيبها مع بعضها البعض بأشكال جديدة من اختياره".”
“في ربيع عام 1989 تم تسريح الضابط ميم من الحرس الجمهوري بعد أن كُسّرت أضلاعه. توقع السيد ميم وهو ضابط شاب ينتمي إلى الطبقة الدنيا المتوسطة, أن يوفر له تعليمه الجامعي الأمن والامتيازات ضمن صفوف الحرس الجمهوري. لقد كان مخطئاً. لم يبد الضابط المسؤول أي احترام لإنجازات ميم, وحتى قبل الحادثة التي أدت به إلى الضرب, كان أصدقاؤه يسمعون بكاءه أثناء نومه.ففي يوم من الأيام زار وحدتهم ضابط برتبة عالية,وأمرهم أن يقصوا عليه أحلامهم التي رأوها في الليلة الفائتة. تقدم مجند وأعلن:"لقد رأيت صورة القائد في السماء, ثم نصبنا سلالم من نار لتقبيلها". وتبعه مجند آخر بقوله:"رأيت القائد ممسكا الشمس بيديه, ثم ضغطها وسحقها حتى تهاوت.فعم الظلام وجه الأرض. ولكن ما لبث وجهه أن لمع في السماء, وأرسل ضياء ودفئاً في كل الاتجاهات".وتتابع الجنود يمدحون بعظمة القائد. عندما جاء دور الضابط ميم, تقدم وحيى المسؤول الكبير, ثم قال:"لقد رأيت في منامي أمي عاهرة في غرفة نومك". ولم يكد ميم ينهي رؤياه حتى انهالوا عليه بالضرب, وتبع ذلك تسريحه. في تعليقه على الحادثة, قال السيد ميم شارحاً "إنه عنى أن بلده عاهرة".وسواء إنبثقت القصة مما حدث بالفعل لميم أو أنها من نسج خيال من رواها, فالحكاية تجد سمة من سمات الحياة السياسية في سورية: إصرار النظام على أن يُقدم المواطنون أدلة ظاهرة على ولائهم لعظمة الحاكم التي لا يمكن تصديق طقوسها الزائفة بشكل جلي. ففي هذه الرواية القوية من مواجهة اعتيادية, يمثل الجنود سياسية "كما لو" وذلك بالإدعاء بأنهم حلموا بالأسد القادر على كل شيء. قد يصدق بعض الجنود أن الأسد ملهم من السماء, لكن من المستبعد أن يتصادف أن أي منهم قد حلم بالقائد في الليلة السابقة. وأما الضابط ذو الرتبة العالية فقد برهن على أنه قادر على إنتزاع قصص خيالية من المشاركين. ويستجيب المشاركون ليبرهنوا على طاعتهم للضابط وعلى قابليتهم في تمثيل كما لو أنهم حلموا بالأسد.لكن وبينما يُطلب من الجنود الإفصاح عن أكثر خصوصيات ذواتهم, يُمكنهم المسؤول الكبير من سرد أكثر القصص المخترعة والتي لا يمكن التحقق منها.يطرح هذا الفصل سؤالين متراطبين:1) ما هو معنى مشاركة الجنود وماذا يعني التجاوز في قصة ميم؟ولماذا يتم ابتكار استراتيجيات تتطلب من المواطنين الرياء؟2) لماذا يتم اعتماد سياسة تستند إلى إظهار الولاء الخارجي الذي يمكن التأكد من زيفه بسهولة, بدلا من مخاطبة القناعة الداخلية للناس؟”
“قدم استفتاء عام 1991 فرصة لعروض غير مسبوقة من التزلف ويذكر ناقد أدبي سوري كيف ساد جو من "الهيستيريا العامة" حول العاصمة السورية. وأعلنت منى واصف لجمهورها التلفزيوني كيف أن الدنيا أمطرت لأن السوريين كانوا يجرون استفتاء يؤكدون من خلاله ولاءهم وإخلاصهم لحافظ الأسد. وكان الاستفتاء مناسبة للدعاية لاحتمالات الطموح التوريثي العائلي للنظام عندما ظهرت بعض الملصقات التي تحتفل بالأسد "كأبي باسل", في إشارة إلى ابنه الأكبر. وعندما قتل باسل بحادث سيارة سنة 94 , ظهرت ملصقات بشعارات تقدس ذكراه إلى جانب صور للأسد, ويبدأ المنظرون مباشرة بترفيع ابنه الثاني, بشار, كخليفة لوالده.”
“لا أحد في سوريا المعاصرة, سواء أولئك الذين يصيغون المديح أو أولئك المجبرون على استهلاكه, يصدقون أن الأسد هو "الصيدلي الأول" , أو " أنه يعلم كل شيء حول كل القضايا", أو أنه حصل بالفعل على 99.2 من الأصوات في الانتخابات.”