“رسالة على عتبات ليلةِ الرحيل ضَرب زلزالك عالمي دونما سابق إنذار فدمر الأساس المتين الذي كنت أقف عليه احتماءً من أي قصة حُب قادمة .. زلزالك تركني أغرق في وحلك وجرفني شيئاً فشيئاً إلى الهاوية بكل رُقي وبملءِ طوعي .. رغم أنني منذ اللحظة الأولى الأولى لم أرغبك حبيباً فَلطالما دمر الحُب بيوتاً وكَسرَ وثاقاً وحطم مَراكباً.. كان كُل ما حَلمتُ بِه هو صَديق يرافقني في حكاية قلم و ورقة ويشاركني عِشق الكتابة والقراءة .. وكما دائماً"تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" ويقرع الحب أبواباً موصَدةً منذ الأزل لِيدمر ..ويعذب ويفتك بقلوبنا الجائعة المتعطشة للحنان .. سَحرتني الكلمات وأسرتني العبارات وسرقتني حتى من أناي المُتزنة ذات العقل الراجح دوماً صِرت أنت هَوسي ومحراب جنوني ومصُلى تهجدي .. صِرتَ تلاحقني في كل درب وسبيل دون أن تعلم أو تدرك أو تشعر بالذي تعنيه لي .. وتورطتُ أكثر .. وحمَلت الغَيرة في رَحم قلبي وبدأت بداخلي تَكبر .. فَبِتُّ أخشاهن جميعاً وأكرههن جميعاً وأمقتهن جَميعاً دون أن يكون هُنالك مُبرراً لقلقي وخوفي .. أسرني الوهَم حتى بِتُّ أراقب كل نفسٍ من أنفاسك وكل كلمة من كلماتك بحثاً عن عطرها بين الكلمات وفوق الكلمات وتحت الكلمات وكُنت أدرك أنها موجودة في مكان ما لا أهتدي إليه.. أنهك نفسي طوال الليل في تَتبُعِ أثرها على السطور دون جدوى تُذكَر.. كرهتها ..نعم كرهتها حتى النخاع وكرهتُكَ وكرهتُ نفسي منذ التقيتك صار وجودك يؤرقني ويسرقني من نومي يجلعني أتسّمر أمام الشاشة اللعينة في انتظارها أو انتظارك أو انتظار إشارة القدر التي تأمرني بالهرب من هذا الجنون.. أرهقتني وأنهكتني ..وأعيّيتَني حتى ما عُدت قادرة على تحمل نفسي فالأمر بِرُمَتِهِ محظ وهمٍ مجنون.. عَبثٍ من الشَيطان يعلقني بك وأنت لأُخرى فكان لازماً عليَّ أن أرحل ..أهرب ..أمضي إلى مكان بعيدٍ عن كُل ما يَمُّسُكَ بِصِلة كي أحتفظ بما تبقى لي من عقلي منذ التقيتك .. فقد كدت أفقد صوابي شيئاً فشيئاً حتى جاءت تلك الليلة الصاخبة بالدليل القاطع على أنك لست سوا سحابة صيفٍ لا تحمل في رحمها الغيث.. فتبدد الوهم ..وانزاحت الغيمة وبدت حقيقة الأمر واضحة جليّة كبدرٍ في ليلته الخامسة عشر ليلة أثخنت قلبي بالجراح من الوريد إلى الوريد أيقظتني من الكذبة التي كنتُ أتشبث بأطراف ثوبها .. حزمتُ أمتعتي بتثاقل ومنعني كبريائي الجريح من من قول الوداع فآثرتُ المُضيَّ بهدوءٍ كما جِئتْ أخطو على طريق الرحيل التي رسمتها لي أناملك بدقة فنان محترف أجرُّ ذيول قلبي المنهك والمنتهك وألعن نفسي وأتوعدّها بالتأني”
“كدمة حمراء على صدري انتبه لها أخي ذات يوم فكذبت بأنها اصابة أثناء العمل، كي لا أزعجه أكثر، وأقول أنها إصابة أثناء الألم، طريقة حساسية جسدي في التعبير عن ألمه. كدمة زرقاء لم ينتبه لها تستقر خلفها، في قلبي، في عمق قلبي، لا أخبر أحدًا عنها من زمن طويل، حتى تجمدت زرقتها ولم يعد شفاءها مستطاعًا. كدمات شهوة عابرة تحاول أن تخدش عنقي من علاقة لم تحدث أبدا مع العالم.. وكدمات وحدة طويلة على كتفيّ.. كدمة إدراك هي ما تصيب رأسي بالصداع المتكرر، ربما تحولت إلى ورم خبيث يأكل من تفكيري يوميًا.. كدمات في أصابعي من لمس الأشياء الميتة، الأشياء التي لا ترد لي الشعور نفسه، ولا الحنان نفسه. وكدمات على ذراعي من رعشات الخوف والهشاشة على صدر الفراش.. كدمات على ساقي من الركض في غابات لا أنتمي لها.. كدمة على شفاهي بطعم ما تعلمته من الكذب المرتب الذي لا يشبهني، كي أستطيع شق الحياة بقانونها. وكدمات صغيرة تنهش ظهري من الذاكرة الباردة خلفه.. كدمات صامتة حول أذني، من كل كلمات الحب الكاذبة التي سمعتها مرارًا ولم تستقر في القلب. تتحول الكذبات عوضًا لندوب جديدة. حتى الشامة التي أحبها وجه أحبني كثيرًا فيما مضى، هي كدمة سوداء في عنقي، لفرط ما تذكرني بتلك الطريقة من حنان موزع كمجرى من خصلات جبيني المتطايرة، حتى أسفل عنقي النحيل.. كمن وصل لتوه قبل أن تفوته اللحظة.كدمة مؤلمة حارقة تستقر هنا، أسفل عنقي، محشورة بحنجرتي الضعيفة، كدمة متورمة من كل الكلمات الغالية التي لم أقلها، وحبستها او ادخرتها، رغم أنها تجري كالماء بداخلي، لأني لم أجد أرضًا خصبة أهلًا لها، لأصب كالنهر الحر.والكلمات التي لم أقلها، أغلى على قلبي.. من كل الكلمات التي قلتها.لكن أحدًا لم يفهمها، أو يمضي في روحي حتى يبلغها. ماذا تفعل المرأة التي تنظر في المرآة وتشعر بكل هذه الكدمات والندبات المحفورة في جلدها وروحها وعظامها.. حين تخبرها أنها جميلة؟! أو أن الكاميرات تحبها لأن لعظامها جمالًا نادرًا؟!هل تنتظر منها سرورًا للإطراء، أو امتنانًا لك.. أو للمرايا.”
“ويوم أن تنكر لي من كنت أحسنت إليه من رذال هذا الخلق وسقط ولد آدم (كتب أحدهم: كان من قدري أن أغلب من ألقاهم في دروب حياتي المعتمة؛ هم من ذوي العاهات المخيفة) حبست نفسي في البيت عدة سنوات، وذهبت - فيما يشبه الجنون لكنه معرفي - أقرأ في اليوم والليلة أكثر من ثلاث عشرة ساعة، لا يصرفني عن القراءة إلا دموع عيني من فرط الجهد، لم أكن في تلك الأيام أتنفس من رئتي، كنت ألتقط أنفاسي من ثقوب الكلمات.. ولولا أن منّ الله علي بالهداية لربما تيبست شيئاً فشيئاً حتى صرت - كما قال كافكا -: "حجراً لقبر نفسي".. لا، لم أكن في تلك الأيام أسحق؛ لكني كنت أتشكل..”
“يكفي في هذه البلاد أن تقولَ أنك مصابٌ بلوثة، حتى يصدّق الآخرون أنك مصابٌ بلوثة، ويضعوا منذ هذه اللحظة كامل جهدهم في إقناعك أنك مصابٌ بلوثة. يكفي أن تزعم أنك كنتَ البارحة ضحيةَ صرعٍ مفاجئ، حتى يبدأوا بالدهشة من أنك لم تعُد تصابُ بالصرعِ مثلما كنت تصاب به في ما مضى في أحيانٍ كثيرة. يكفي أن تشكو من تمنّع الكلمات وصمودها أمام الأفكار البسيطة التي تتخبط بين جدران رأسك مطالبةً بحرية الخارج الكبير، حتى يستغربوا من أنك صرت تنطق بعبارتك فلا تتلعثم. وكأن لا حرية للوهم والإشاعة الذاتية في هذا العالم. أو كأنَّ أحداً لا يحق له أن يقهر وسواسه.”
“ما أشد على قلبي المتألم أن لا يأخذ بصري من الناس إلا من يتدحرج في نفسي ليهوي منها أو يتقلب في أجفاني ليثقل على عيني وأحاول أن أرى تلك الطلعة الفاتنة التي انطوى عليها القلب فانبعث نورها في حواشيه المظلمة, وأن أملأ عيني من قمر هذا الشعاع الذي جعل السماء في جانب من الصدر؛ فإذا ما شئت من الوجوه إلا وجه الحب, وإذا في مطلع البدر من رقعة سوداء لا تبلغ مد ذراع ويغشى الكون كله منها ما يغشى.. فاللهم أوسع لقلبي سعةً يلوذ بها..”
“يَتهمني البَعض بأنني صديقة سَيئة .. صديقة في أوقات الرخاء -سعادتي-فقط .. أُشاركهم الأفراح واحتفظ باحتضاري لِنفسي.. لا أدري لِمَ يُسيء الآخرون فهمي ، و لِمَ يُترجمون تصرفاتي بسوء نيَّة !! لِم يبحثون كثيراً تحت الكلمات .. مللت ..صدقاً مللت ..من كُل شيء مني ..منهم ..من الحياة ..من كل الأشياء المُتحشرجة في صمامات قلبي المُمتلئ بهم ! أنا فقط فاسدة حتى النخاع وأرغب بنقاهةٍ من كل ما حولي .. من الآن فصاعداً أنا سأكون صديقة نفسي فقط !! لا أريد أن أخذل أحداً أَحسَنَ الظن بي .. فأنا فقط من ستحتمل مزاجيتي السيئة .. أنا فقط من ستفهم صمتي .. وأنا فقط من ستتحمل خذلاني ..! أنْ أَصمت عن أحزاني في حضرتهم .. لا يعني أنني لست صديقة جيدة .. أنا فقط لا أُريد أن أُضيف همومي لهمومهم.. و وجعي لأوجاعهم .. كل ما أَفعله هو رِفقاً بهم ! من هذه اللحظة أُعلن أن حُزني سيكون لي لي وحدي فقط !”