“الحقيقة أن العدالة والتنمية ليس حزبا إسلاميا سياسيا، لا في برنامجه ولا في خطاب قادته. معادلة حزب غير إسلامي يقوده إسلاميون هي انعكاس للتناقض الذي يحمله بروز جمهورية علمانية معادية للإسلام في مركز الإمبراطورية العثمانية، أطول الدول الإسلامية عمرا، وهي انعكاس للطبيعة المتغيرة وغير المستقرة للقوى الإسلامية السياسية.”
“فعلاقة الحب والكراهية التي تربط أوروبا الموحدة بتركيا، الدولة الأوروبية، العلمانية، الإسلامية، في الآن نفسه، باتت ضمانة قوية لاستمرار الحكم المدني في تركيا وتقليم أظافر مؤسستها العسكرية. ولا يمكن إغفال الحكمة والنزاهة والإحساس بالواجب الذي يميز قادة العدالة والتنمية. بل وربما أصبح من الممكن القول إن تركيا العدالة والتنمية قد تصالحت أخيرا مع نفسها.”
“وسيكون من الصعب على الإسلاميين الارتفاع إلى مستوى تمثيل جماعاتهم الوطنية إن نظروا إلى أنفسهم بوصفهم طائفة مميزة عن بقية الشعب. التيار الإسلامي هو تيار سياسي يأخذ من التصور والتجربة الإسلامية مرجعا. ولكن الخطاب الإسلامي لا يعطي الإسلاميين قداسة ولا يجعلهم بالضرورة جماعة مختارة. كقوى سياسية، يصيب الإسلاميون ويخطئون، سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة، ووحده الشعب هو من يملك الحق في الحكم على مصداقية الوعود والبرامج. إن ادعى الإسلاميون أن المرجعية الإسلامية توفر حصانة ما لهم، فسينتهون إلى بناء استبداد جديد، لا يمزق الشعوب والمجتمعات فحسب، بل يمزق القوى السياسية الإسلامية كذلك.”
“في كل من سورية ومصر والجزائر استخدم الإسلاميون مسوغات مختلفة لإسباغ الشرعية على استخدامهم العنف المسلح. مرة استند العنف الإسلامي إلى مقولة الحاكمية، مرة إلى مفهوم الجاهلية المعاصرة، ومرة إلى مفاهيم سلفية استنبط منها تكفير الأنظمة الحاكمة ووجوب قتالها. ولكن العنف في الحقيقة كان خيارا عبر عن الاستقطاب الحاد في المجتمعات الإسلامية وعن انغلاق الأفق السياسي، ولم يعدم دعاته وسيلة أو أخرى لإضفاء شرعية عليه. وكان طبيعيا أن تصل موجة العنف إلى نهايتها بعد أن استعدت قوى اجتماعية عدة وعجزت عن مواجهة عنف الدولة. بيد أن المشكلة الأساسية لم تنته بعد. فلا في سوريا ومصر والجزائر، ولا في الكثير من الدول الإسلامية الأخرى، قدمت الدولة إجابة مقنعة عن السؤال الإسلامي الملح. هزم العنف الداخلي إلى حد كبير. ولكن، إن كان من الممكن هزيمة قوى العنف وعزلها، فإن التحدي الحقيقي يظل تحدي التعامل مع التيارات الإسلامية الإصلاحية: التيارات المدنية الداعية للتعددية والمشاركة الشعبية ومواجهة الفساد، وتسندها قطاعات شعبية واسعة.”
“عزز أداء الإسلاميين المقاومين من نفوذ التيار الإسلامي في كل أنحاء العالم الإسلامي. ولكن شرعية مقاومة الغزو الأجنبي لا تكفي وحدها لتجاوز حال الانقسام والتعدد التي تتسم بها المجتمعات الإسلامية الحديثة. تتسم شعوب أفغانستان ولبنان وفلسطين بتنوع سياسي وإثني وطائفي، يحمل قابلية للتحول إلى انقسام سياسي. لم ينجح المجاهدون الأفغان وخلفاؤهم في حركة طالبان في بناء توافق وطني، ودفعوا البلاد إلى حرب أهلية وعدم استقرار فاقم منه الاحتلال الأمريكي. وبينما أظهر حزب الله مؤشرات على أخذ التعددية اللبنانية في الاعتبار، فإن نجاحه في التعايش مع القوى الأخرى يواجه تحديات وتساؤلات كبيرة منذ اغتيال الرئيس الحريري. أما في فلسطين فسيكون من الصعب على الإسلاميين، وحماس بوجه خاص، إحراز مزيد من التقدم بدون تحقيق توافق وطني. وليس هناك شك في أن فتح نفسها بدأت في خسارة موقعها القيادي بعد توقيع اتفاق أوسلو وانهيار التوافق الفلسطيني الداخلي.”
“الحقيقة التي لا جدال فيها أن الإخوان المسلمين كانوا بعيدين كل البعد عن تيارات العنف، بل إن وجودهم كان ضروريا لمنع تلك التيارات من الانتشار الواسع في صفوف الشبان المصريين. ولم يكن في نشاطات الإخوان في النقابات المهنية وأوساط الطلاب الجامعيين من جديد. بل إن عقد التسعينات، شهد صعودا حثيثا في نقابات المهندسين، المحامين، الصيادلة/ الصحافيين، الأطباء، ونوادي التدريس بالجامعات المصرية.”
“إن كانت العلمانية في أصلها الأوروبي هي نظام الفصل بين الدولة والكنيسة، فقد أصبحت في دول أتاتورك حربا على كل "الكنائس" لتأمين سيطرة "كنيسة واحدة" هي الدولة.”