“إن الأصوليين يقدمون عن الإسلام الصورة التي يريد ألد أعدائه أن يعطوه إياها. وما أكثر الأمثلة: عندما احتفل نميري, دكتاتور السدوان, سنة 1983 بذكرى تطبيقه الدموي "للشريعة", كان رجال الدين يتوافدون على الخرطوم لتمجيد الطاغية و "تطبيقه الصحيح للشريعة". وما كاد نميري يسقط, ويُعلّق "تطبيق الشريعة" حتى ران الصمت على علماء الشريعة.إن واحدا من أنفد المنظرين للإسلاموية الأصولية هو المودودي الباكستاني, الذي يحدد السياسة "الإسلامية" بأربعة مبادئ: سلطة قوية في أيدي علماء الشرع, انصياع الشعب لهذه السلطة, نظام فكري أخلاقي تفرضه هذه السلطة, مكافأة وثواب لأولائك الذين يطبقون أحكامها.لا يمكن تحديد الأصولية على نحو أفضل.إن كتب المودودي ينشرها حكام العربية السعودية على نحو واسع جدا في العالم بأسره. ولنذكر أن المودودي منح ضياء الحق, دكتاتور الباكستان, تأييده وثقته”
“ومن المدهش أن أفكار المودودي المبكرة هي التي انتشرت في العالم الإسلامي، بالرغم من تطور قناعاته باتجاه التحول السلمي نحو الإسلام وباتجاه الالتزام بالنهج الديمقراطي. ولم يلحظ كثير من الإسلاميين الذين تأثروا بأفكار المودودي المبكرة أن هذه الأفكار سجلت في سياق الوضع الخاص لمسلمي الهند قبل قيام باكستان.”
“الواقع أيها الإخوان : أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها , وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب و محاسبتهم على ما يعملون من أعمال , وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم .ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاماً آخر .”
“إن هذه التوافقية بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن بالفعل، قد مثَّلت جوهر التوازن في الشخصية الإسلامية، الأمر الذي حافظ لهذه الشخصية على ثوابتها ودفء إيمانها وحيويته، خاصة في الفترات المتأزمة من عمر التاريخ الإسلامي، مع ما لهذا الدين من قوة روحية هائلة في نفوس أتباعه قامت فيما قامت عليه على عدالة الأحكام المجردة عن الأهواء.”
“من الأفكار التي أطلقها بن كيران واستفادت منها الحركة فكرة أن مهمة الحركة الإسلامية ليست الوصول إلى السلطة حتى ولو كان الهدف إقامة الدين، بل إن مهمتها هي المشاركة في إقامة الدين من دون أن يتوقف ذلك على الوصول إلى السلطة، وهو يرى أن الحركة الإسلامية إذا صارت سياسية وطلبت الحكم - ولو لإقامة الدين- فهي سيجري عليها ما يجري على الساسة وطلاب الحكم. ويلح دائمًا على أن فعل الحركة يجب أن يكون تغيير ما بالنفس والمجتمع وليس الوصول إلى السلطة التي ستأتي تتويجًا لهذا التغيير وليس مقدمة إليه.”
“قد يرفض علماء الدين أحياناً التكلّم في السياسة .. مثل رأيهم في معاهدة كامب ديفيد .. ويبدو أن الدين والسياسة - في نظرهم - لا ينفصلان إلا عندما يكون السؤال محرجاً ..وقد يبدو الإمتناع عن الخوض في السياسة نوعاً من الحرص على المنصب والجاه ، ولكنه يمثّل - علاوة على ذلك - تأييداً باطنياً عميقاً ..”