“عبر تاريخ طويل مررنا بهزائم و انكسارات , تركت آثارها فينا , بل حفرت داخلنا أخاديد جعلتنا نقنع بأقل القليل .. بل لا نطمح إلا بأقل القليل ..و هكذا فهمنا كل شيء من زاويته الأضيق.. و الأدنى .. و لم نعد نتوقع من أنفسنا إلا ما هو متدن و رديء فقدنا احترامنا لأنفسنا و تدنى تقويمنا لها و لإمكانياتنا .. لم نعد نتوقع من أنفسنا أي شيء إيجابي كما سيفعل شخص أدمن الهزيمة و صارت هويته اللصيقة به .لم نعد نرضى بأوساط الحلول فحسب .. بل صرنا نرضى بالفتات .. بل نطالب بالفتات .. نفاوض من أجل الفتات .. بل ما هو دون الفتات ..في كل شيء... حتى فيما نتوقعه من الصلاة.”
“بعض أسباب رسوخ و حصانة السلبية تعود إلى ارتكازها على مفاهيم تنسب زورا و ظلما إلى الدين أو إلى نصوص دينية مجتزأة من سياقها أو إلى مواقف لعلماء دين كانت مجرد ردود أفعال في سياقها التاريخي و هكذا فإن ذلك كله يتداخل مع أمثال شعبية و أقوال مأثورة و أنماط سلوك شائعة قديمة تجعل كل ما سبق يمتلك حصانة و قداسة لا مبرر لها دينيا بل و كل ما في الإسلام هو ضد هذه السلبية .”
“لا تدع الوقت ينزلق من بين أصابعك، اشعر به، لا تضيعه، ارتد ساعة (أو عالأقل ضعها في جيبك). و لا تخف منها: إن عقارب الساعة لا تلدغ، و الذي يلدغ حقاً -لدغة سامة و حتى الموت- هو أن تضيع الساعة، تلو الساعة، تلو الساعة، و من ثم يضيع العمر كله.اجعل من إرادتك أرضاً صلبة تمشي فوقها بثبات، و لا تستسلم للرمال المتحركة التي تحاول أن تجرك الرتابة إليها..باختصار: لك شيء، بل أشياء، في هذه الحياة، فقم.”
“لا تكون رحلة النضوج هذه سهلة أبدا , بل إنها تشبه أحيانا احتراقا داخليا, ألم عظيم و مشقة ليست أثل من ألم و مشقة و معاناة الولادة,و ليست أقل قداسة في الوقت نفسه, فتغيير الذات مخاض عسير و صامت , الصراخ معه لا يجدي كما قد ينفع مع آلام المخاض الاعتيادي , بل هو يحتاج إلى صبر دؤوب و اصطبار حقيقي و متابعة لهذا الصير و ذلك الاصطبار ... و ينتج من ذلك كله معاناة حقيقية هي في جوهرها احتراق حقيقي , وصولا إلى النضوج ..إلى التغيير”
“علي أن أقر، أني لم أكن أفهم الحكمة من ذلك النهي النبوي الشريف عن إغماض العينين في الصلاة..عدم فهم الحكمة لا يعني قطعا، و لا بأي شكل من الأشكال، عدم الإلتزام بهذا النهي و التقيد به.. لكني أقر، أني لم أكن أفهم فحواه، فإغماض العينين، يساعد على التركيز، على التأمل، و كلها مقدمات طبيعية لما نوليه أهمية كبيرة -عن حق-: الخشوع.. كان هناك النهي.. و يكون هناك الإلتزام.. و ربما عندما تنتأمل في الأمر نجد تلك الحكمة..الآن أفهم تلك الحكمة، الراسية مثل جذور جبل شامخ في الأرض، فإغماض العينين، و لو بينة الخشوع و التأمل، يتيح لك الدخول في عالم اإفتراضي، عالم خارج واقعك المحسوس.. يتيح لك فرصة الهرب من العالم المحيط بك.. بكل ما فيه مما يستدعي الهروب..إغماض العينين ينمنحك ذلك و لو لدقائق.. و لو بنية التركيز و التأمل.. و لو من أجل الخشوع..لكن لا!الصلاة، أبدا ليست من أجل الهروب من العالم، ليست من أجل التسلل من هذا الواقع..إنها على العكس، من أجل الولوج فيه.. من أجل اقتحامه.. إنها من أجل مواجهته بكل ما فيه”
“كرس هذا الأمر مبدعون حقيقيون، أنتجوا إبداعا لا شك في أصالته، لكن حياتهم كانت مثالا للتفلت من كل منظومة قيمية و أخلاقية، طبعا كان هناك مبدعون لم يكن في حياتهم شيء كهذا، على الأقل ليس هناك فضيحة مدوية، لكن الصورة التي رسخت عن الإبداع و المبدعين، هي الصورة المتفلتة، كما لو أن التفلت هو صنو الإبداع، و ساعد ذلك على الترويج للتفلت عند فئة تتمنى أن تكون مبدعة، أو تدعي أنها كذل، لذلك نراهم يتفلتون من كل شيء، من المظاهر (في أبسط تفاصيل النظافة أحيانا) إلى الجوهر، الذي يجعل حياتهم عارية من كل التزام شخصي أو عائلي أو اجتماعي، و كل ذلك تحت شعار الإبداع، و لأن الإبداع عملية أعقد بكثير من ترهات سطحية كهذه، فهم لا ينتجون حقا إلا سخافات، لا يراها إبداعا إلا نقاد على شاكلتهم.. و هذا لا ينفي أبدا وجود مبدعين حقيقيين متفلتين.. لكن الصورة النمطية للمبدع المتفلت عممت هذا الأمر، و جعلتهما يتماهيان بطريقة غير مقبولة..”
“بسم الله الرحمان الرحيم إذن ، ليست أحرفا طلسمية ، و طلبا -لا عقلانيا- للبركة و الحفظ ، ليس مجرّد استهلال قد يكون غير مترابط مع ما يليه .. بل " بسم الله الرحمان الرحيم " ، ارتباط مباشر بحقيقة من أهم الحقائق في حياة كل منا .. حقيقة تكليفنا في هذه الأرض .. تكليفنا بالخلافة ، خلافته هو عزّ وجلّ ..”