“عندما تبدو لنا السلطة السياسية وكأنها مشغولة عن القضايا القومية بأمور تكنوقراطية بحت، كإعداد الخطة وإصلاح المجاري وتنظيم المرور، فالأمر لا يرجع فقط إلى مجرد فرض الإرادة الخارجية عليها، وإنما يعكس أيضا تحولات نفسية للممثلين السياسيين لتلك الطبقات الصاعدة التي انصرف اهتمامها إلى مثل هذه الأمور. وعندما تجد الناس يميلون أكثر فأكثر إلى فهم الديمقراطية السياسية لا بمعنى حرية تكوين الأحزاب وحرية الاختلاف حول كامب ديفيد أو العلاقات الخارجية أو العربية، بل بمعنى الكشف عن انحراف وزير، أو الاستجابة لمطلوم في ترقية، أو حق المناداة بسيولة المرور وتوصيل المياه إلى الأدوار العليا، فالأمر هنا أيضا يعكس اهتمامات طبقات تعتبر مثل هذه القضايا اليومية أهم مشاغلها ومصدر قلقها.”
“لقد ردد بعض المعلقين على أزمة مصر السياسية القول بأن أصل المشكلة يرجع إلى افتقار المجتمع والسلطة السياسية إلى مشروع حضاري أو قومي، وهي عبارة فضلًا عن غموضها قد تخفي من الحقائق أكثر مما تكشف. فالحقيقة هي أن لكل فرد مشروعه ولكل طبقة مشروعها، ويندر أن يفتقر الفرد أو الطبقة إلى مشروع للصعود والترقي. والمجتمع بأسره يتحدد مشروعه للترقي بمشروعات الطبقات المسيطرة أو الأكثر تأثيرًا. فالشكوى إذن لا يجب أن تكون من افتقاد مشروع للنهضة بل من تغير مضمونه بتغير الطبقات المؤثرة، إذ أصبح مشروع المجتمع المصري، إذا جاز هذا التعبير، هو مشروع الطبقات المهمومة بالرقي المادي وتثبيت وضعها النسبي الجديد. في سبيل تنفيذ هذا المشروع تندثر المشروعات القديمة القائمة على الاعتزاز بالكرامة الوطنية والتضامن مع بقية العرب ومع قضية الفلسطينيين، إذ لا يبدو أن في الوقت والجهد متسعًا للانشغال بهذا وذاك.”
“نحن نعرف أشخاصاً واسعي المعرفة و بعيدين كل البعد عن الحكمة ، و أن الحكمة كثيراً ما تكون مطلوبة أكثر من المعرفة ، بل و إن كثرة المعرفة قد تؤدي هي نفسها إلى قلة الحكمة ، إذا كانت من نوع المعرفة التي "لا تنفع الناس" ، أو إذا أدت كثرتها إلى اختلاط الأمور أمام صاحبها فأضعفت قدرته على التمييز بين النافع و الضار.لا يمكن إذن في تحديد الهدف الاكتفاء بكم المعرفة بل لا بد من التطرق إلى نوعها .”
“ليس من الضرورى مثلا أن يكون الرئيس بوش قد جلس يوما مع الرئيس صدام حسين، وعلى وجه كل منهما ابتسامات شيطانية ،يخططان لغزو الكويت ، بل إن من الممكن جدا أن يُدفع صدام حسين إلى القيام بعمل معين دون أن يكون واعيا وعيا تاما بدوافعه ونتائجه ،أو على الأقل دون أن يُقال له بالظبط أهداف الخطة و أبعادها وخطوات تنفيذها خطوة خطوة . إن الأمر هو مؤامرة فقط بمعنى أن الضحية والضحايا ،وهم فى العادة من الأفراد العاديين الذين لا يدخلون طرفا فى اللعبة السياسية ،لا يدرون الأسباب الحقيقية لما يحدث ،بل وتُبذل جهود متعمدة لتضليلهم .”
“لكن المصري أيضًا قد يزيد صبره عن الحد المقبول، فيقبل أكثر مما يجوز قبوله، وهو مجامل إلى حد الإفراط، وكثيرًا ما يفضل السكوت على الجهر بالحق طلبًا للسلامة أو كرهًا للعنف، وهو قليل الثقة بقدرته على تغيير الأمور وإصلاح ما فسد، يسرع إلى التسليم باستحالة الإصلاح وإلى الاعتقاد بأن الأمور ستظل على الأرجح على ما هي عليه مهما بذل من جهد، قانع أحيانًا إلى درجة فقدان الهمة، متسامح أحيانًا إلى درجة تجافي الشجاعة.”
“علاج التعصب ليس بإضعاف الولاء بل إشاعة روح التعقل والحكمة في حمل هذا الولاء وفي التعبير عنه، بحيث لايتحول الولاء إلى كراهية للغير. وتقوية الحس الأخلاقي تكون بترسيخ ولاء المرء لدينه وثقافته دون افتئات على حق أصحاب أي دين آخر أو ثقافة أخرى في التعبير عن ولائهم لدينهم أو ثقافاتهم”
“إن المجتمع الاستهلاكي عندما يأتي إلى بلد فقير لا يثير فقط "أحزانا طبقية" بل و"أحزانا ثقافية" أيضا. فقد كان لدينا أمل، في وقت من الأوقات، في أن تستطيع مجتمعاتنا أن تقدم للإنسانية شيئا مختلفا، بل وشيئا أفضل من هذا.”