“و اللغو فارغ الحديث، الذي لا طائل تحته، و لا حاصل وراءه. و هو الهذر الذي يقتل الوقت دون أن يضيف إلى القلب أو العقل زاداً جديداً، و لا معرفة مفيدة. و هو البذيء من القول الذي يفسد الحس و اللسان، سواء: أوجه إلى مخاطب أم حكي عن غائب.”
“قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين؟"..و هو سؤال المزعزع العقيدة، الذي لا يطمئن إلى ما هو عليه، لأنه لم يتدبره و لم يتحقق منه. و لكنه كذلك معطل الفكر و الروح بتأثير الوهم و التقليد. فهو لا يدري أي الأقوال حق. و العبادة تقوم على اليقين لا على الوهم المزعزع الذي لا يستند إلى دليل! و هذا هو التيه الذي يخبط فيه من لا يدينون بعقيدة التوحيد الناصعة الواضحة المستقيمة في العقل و الضمير.”
“القول اللين لا يثير العزة بالإثم؛ و لا يهيج الكبرياء الزائف الذي يعيش به الطغاة. و من شأنه أن يوقظ القلب فيتذكر و يخشى عاقبة الطغيان.”
“و ليس كذلك صاحب الدعوة المحددة، الذي يريد تحقيقها في عالم الواقع و دنيا الناس. فلصاحب الدعوة هدف، و له منهج، و له طريق. و هو يمضي في طريقه على منهجه إلى هدفه مفتوح العين، مفتوح القلب، يقظ العقل؛ لا يرضى بالوهم، و لا يعيش بالرؤى، و لا يقنع بالأحلام، حتى تصبح واقعاً في عالم الناس.”
“هذا هو قانون العمل و الجزاء.. لا جحود و لا كفران للعمل الصالح متى قام على قاعدة الإيمان.. و هو مكتوب عند الله لا يضيع منه شيء و لا يغيب.و لا بد من الإيمان لتكون للعمل الصالح قيمته، بل ليثبت للعمل الصالح وجوده. و لا بد من العمل الصالح لتكون للإيمان ثمرته، بل لتثبت للإيمان حقيقته.إن الإيمان هو قاعدة الحياة، لأنه الصلة الحقيقية بين الإنسان و هذا الوجود، و الرابطة التي تشد الوجود بما فيه و من فيه إلى خالقه الواحد، و ترده إلى الناموس الواحد الذي ارتضاه، و لا بد من القاعدة ليقوم البناء. و العمل الصالح هو هذا البناء. فهو منهار من أساسه ما لم يقم على قاعدته.و العمل الصالح هو ثمرة الإيمان التي تثبت وجوده و حيويته في الضمير. و الإسلام بالذات عقيدة متحركة متى تم وجودها في الضمير تحولت إلى عمل صالح هو الصورة الظاهرة للإيمان المضمر.. و الثمرة اليانعة للجذور الممتدة في الأعماق.و من ثم يقرن القرآن دائماً بين الإيمان و العمل الصالح كلما ذكر العمل و الجزاء. فلا جزاء على إيمان عاطل خامد لا يعمل و لا يثمر. و لا على عمل منقطع لا يقوم على الإيمان.”
“و عهد الله إلى آدم كان هو الأكل من كل الثمار سوى شجرة واحدة، تمثل المحظور الذي لا بد منه لتربية الإرادة، و تأكيد الشخصية، و التحرر من رغائب النفس و شهواتها بالقدر الذي يحفظ للروح الإنسانية حرية الانطلاق من الضرورات عندما تريد؛ فلا تستعبدها الرغائب و تقهرها. و هذا هو المقياس الذي لا يخطئ في قياس الرقي البشري. فكلما كانت النفس أقدر على ضبط رغائبها و التحكم فيها و الاستعلاء عليها كانت أعلى في سلم الرقي البشري. و كلما ضعفت أمام الرغبة و تهاوت كانت أقرب إلى البهيمية و إلى المدارج الأولى.من أجل ذلك شاءت العناية الإلهية التي ترعى هذا الكائن الإنساني أن تعده لخلافة الأرض باختبار إرادته، و تنبيه قوة المقاومة فيه، و فتح عينيه على ما ينتظره من صراع بين الرغائب التي يزينها الشيطان، و إرادته و عهده للرحمن.”
“و لله الحكمة البالغة. فإن بروز المجرمين لحرب الأنبياء و ا؛ و يطبعهالدعوات يقوي عودها بطابع الجد الذي يناسب طبيعتها. و كفاح أصحاب الدعوات للمجرمين الذين يتصدون لها - مهما كلفهم من مشقة و كلف الدعوات من تعويق - هو الذي يميز الدعوات الحقة من الدعاوى الزائفة؛ و هو الذي يمحص القائمين عليها، و يطرد الزائفين منهم؛ فلا يبقى بجوارها إلا العناصر المؤمنة القوية المتجردة، التي لا تبتغي مغانم قريبة. و لا تريد إلا الدعوة خالصة، تبتغي بها وجه الله تعالى.و لو كانت الدعوات سهلة ميسورة، تسلك طرقاً ممهدة مفروشة بالأزهار، و لا يبرز لها في الطريق خصوم و معارون، و لا يتعرض لها المكذبون و المعاندون، لسهل على كل نسان أن يكون صاحب دعوة، و لاختلطت دعوات الحق و دعاوى الباطل، و وقعت البلبلة و الفتنة.”