“العلم في مدلوله المنطقي المعروف: إدراك الشيء مطابقاً لما هو عليه في الواقع. ولا يسمى هذا الأدراك علماً إلا إذا تكاملت الأدلة على أنه ادراك موافق للحقيقة والواقع، ولا فرق بعدئذ بين أن تكون المسألة من الطبيعيات الخاضعة للتجربة والحس، أو المجردات الخاضعة للنظر والفكر....أما الثقافة فهي المعارف والخبرات التي تتعلق بطبيعة أمة، وتراثها، وتقاليدها، ومجتمعها، وموضوعاتها السلوكية...فحقائق العلم تتمتع بذاتية مستقلة لا تتبدل ما بين أمة وآخرى، ولا يؤثر عليها عوامل العرف والبيئةوالتربية. أما شؤون الثقافة، فملكات تستحوذ على الفكر والطبع جاءت حصيلة ما تتمتع به أمة ما من عرف وقيم وتاريخ وأصول في التربية والفكر والمعيشة. ولا شك أنها تنسجم أو تقترب أو تبتعد عن الحقائق العلمية المتصلة بها حسب واقع تلك الأمة ونظرتها الحضارية إلى الحياة وثمراتها..”
“ن الأمة التي لا تحترم مقوماتها الأساسية، من جنس، ولغة، ودين، وتاريخ، لا تعد أمة بين الأمم، ولا ينظر إليها إلا بعين الاحتقار مع الحكم عليها في ميادين الحياة، بالتقهقر والاندحار ”
“إنه لا بأس يا سيدي في أن يصيح مفكر فرنسي كبير صيحة الغضب من العلم الحديث وما تمخض عنه من آلات، أقول إنه لا بأس في أن يصيح صيحة غضبه تلك في أرجاء الغرب، بعد أن شبع ذلك الغرب علماً وأرتوى بالعلم، لأنه إذا كان ذلك الغرب قد شطح بمعلومه وآلاته حتى أنحرف عن جادة الصواب، فبدل أن ينتج للناس خبزاً أخذ ينتج لهم سلاحاً فتاكاً، فإنه ليس محالاً عليه أن يعود على هدى الصيحة الغاضبة فيلتزم جادة الحق. بعلومه تلك وآلاته، وذلك بأن يبقى على ما ينفع الناس، ويمحو ما يؤذيهم، ذلك كله يمكن للغرب ما دام العلم بين يديه يصنع به ما استطاع أن يصنع، لكن البأس كل البأس يا سيدي في أن توجه مثل تلك الصيحة الغاضبة في بلد ما يزال عند ألف باء العلم والصناعة، لأنك إذا أشعت في نفوس أهله مثل ذلك الترف العقلي، وأعني به التشكك في حضارة العلم والصناعة – التي هي حضارة هذا العصر – فكأنك أشعت في صدورهم دعوة إلى الجمود، لا بل دعوة إلى العودة إلى الوراء، حيث لا علوم ولا صناعة ولا أجهزة ولا آلات، ولن يحدث لهم عندئذ إلا أن تزداد حاجتهم إلى الاعتماد على الغرب في كل ما ينتجه من علم، وما يصنعه من آلات.”
“يكاد النقد أن يشمل اليوم جميع عقائديات ونظريات الحقبة الماضية، ولا يستثني أحدًا منها، بل غالبًا ما يتجاوزها لينفي الواقع العملي الذي كانت تعبّر عنه كما يحصل لفكرة القومية العربية ولغيرها من النظريات السلفية أو الإشتراكية. وإذا عبَّر هذا الجموح عن شيء، فإنما يعبّر عن عمق مشاعر الشك والحيرة التي بدأت تلفّ الوعي العربي حتى لتبدو جميع الحقائق واهية في مرآته ولا سند لها. ومن المعروف أن موت نظام اجتماعي ما أو تفسخع ينعكس مباشرة على الحقائق والبديهيات التي ترتبط بها وتبرره او تضفي عليه المشروعية فيفقدها عقلانيتها وصلاحيتها. ولا ريب أن لهذا الشك العميق مخاطره مثل ماله ايجابياته أيضًا. فهو يمكن أن يكون شكًا مدمرًا كما يمكن أن يكون شكًا خلاقًا وذلك بحسب مايفضي إليه من تعطيل للعقل وللمارسة أو ما يؤدي إليه من حث على التفكير والتأمل ودفع إلى إبداع أطر معرفية ومبادئ جديدة للنظر وللمبادرة. وليس هناك حتى الآن أي مؤشر عميق إلى أننا قد أجتزنا مرحلة الخطر في هذا المجال. فالأدبيات العربية الحديثة توشك أن تكون شكوى لا نهاية لها لما وصلت إليه الحياة الثقافية من إنحدار، واحتجاجًا لا يهدأ على ما وصلت إليه الحياة السياسية من تدهور، وندبًا متواصلًا على ما بلغته الحياة الاقتصادية، الزرعية والصناعية، من خراب.”
“ما في الحياة من خير أو شرّ , إنما هو أثر لما يقع بين عوامل الحياة والنفس الإنسانية من تفاعل”
“كتبت إليكِ كثيراً ، فلم تكتبي إليّ كثيراً ولا قليلاًَ ؛ لأنكِ تعتقدين ما يعتقده كثيرٌ من النساء من أن المرأة التي تكتب إلى حبيبها كتاب حب : آثمة أو غير شريفة ؛ أما انا فأعتقد أنها إن لم تفعل فهي مرائية مصانعة ، لأن المرأة التي وهبت قلبها هبة خالصة لا يخالطها شك وريبة ، لا ترى مانعاً يمنعها من أن تكتب لحبيبها في غيبته بمثل ما تحدثه به في حضرته .”