“أذكر واقعة حدثت لي في الولايات المتحدة. كنت في سن الأربعين تقريبا، وكانت إحدى عاداتي أن أجري في الحدائق في المدينة الجامعية لأخفف من حدة التوتر الذهني ولأزيد من لياقتي البدنية. وبينما كنت أعدو، وجدت بعض الشباب في سيارة يقولون بسخرية: "اذهب واحرق نفسك". وحينما استفسرت من أصدقائي، أخبروني أنني في مثل هذه السن لابد أن أعاني مما يسمى أزمة منتصف العمر والتي تعني أن ما تبقى من عمري أقل مما فات، وأنه لا يوجد مجال للتجريب والخطأ. فدهشت كثيرا لأنني لم أكن قد بدأت حياتي الفكرية بعد، وأعرف كثيرا من المفكرين والأدباء في الشرق والغرب والشمال والجنوب ممن بدءوا حياتهم بعد سن الأربعين!”
“كثيرا ما أقنعت الأساتذة -في الدراسات العليا- بأن يعطوني تقدير امتياز دون أن أقدم ورقة بحث، ولكني كنت أعطيهم كلمة شرف أنني سأقدم البحث فيما بعد، بعد كتابته في هدوء وسكينة. وكثيرا ما نجحت في إقناعهم، فكنت أقضي الصيف في كتابة البحوث المطلوبة، عندما يكون عندي متسع من الوقت. "وحاولت أن أطبق نفس السياسة مع إحدى طالبات الدراسات العليا في مصر، فما كان منها إلا أن تناست الموضوع تماما بعد أن أعطيتها تقديرا عاليا، وكانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي حاولت فيها أن أفعل ذلك.)”
“من المصريين الذين تعرفت عليهم في الولايات المتحدة الأمريكية وأعتز بصداقتهم الدكتور أشرف بيومي وزوجته د.سهير مرسي. فكلاهما أحرز مكانة علمية مرموقة، وقد سمعت أن الدكتور أشرف كان يعد من أهم ال "سبيكتروسكوبيست" في الولايات المتحدة. ولكنه مع هذا عاد هو وزوجته إلى مصر ليساهموا في بناء هذا الوطن، وهما من المصريين القلائل الذين فعلوا ذلك، فالإغراءات القوية في الولايات المتحدة، والإمكانات البحثية تغوي الكثيرين بالبقاء هناك، ثم يرجعون إلينا "خبراء أجانب" نحتفل بهم ونتوج رؤوسهم بأكاليل الغار، وننسى من ضحوا وعادوا بسبب التزامهم الوطني”
“حينما كان أحدهم يعطيني هدية ملفوفة كنت آخذها كما هي فأشكر صاحبها ولا أفض غلافها. وحينما نبهني أحدهم، في الولايات المتحدة، إلى ضرورة فض غلاف الهدية وإظهار الأعجاب بها، أدركت أننا في مصر لا نفعل ذلك أبدا، ففض غلاف الهدية وعرضها يعني تحولها من قيمة إنسانية (كيف) إلى ثمن محدد (كم)، ومن هنا إخراجها من عالم التراحم إلى عالم التعاقد والتبادل. وقد امتد بي العمر لأرى ملامح "التقدم" في السبعينات، إذ إننا نفض غلاف الهدايا الآن ونعرضها على الملأ، "واللي ما يشتري يتفرج!"_”
“إن كثيرا من كلام أهل الحلول من دعاة وحدة الوجود هو في جوهره مادي، حتى وإن استخدموا مصطلحات صوفية إيمانية، لأن من يؤمن بوجود جوهر واحد في الكون يؤمن بالواحدية ولا يؤمن بالتوحيد، إذ التوحيد يعني أن الله مفارق للمادة منزه عنها”
“من أكبر آفات البحث العلمي في العالم العربي انفصاله عن المعجم الحضاري الإسلامي وافتراض أن ثمة معرفة عالمية علينا أن نحصلها متناسين تراثنا وهويتنا. ولن يمكننا أن نبدع طالما استنمنا لهذه المقولة، فهي تعني المحاولة الدائمة "للحاق بالغرب". فمثلا في أقسام اللغات الأوروبية في العالم العربي، ندرسها من وجهة نظر أصحابها وحسب، وهذا يعني سلباً كاملا للذات تسبب في أن ذكاءنا يتناقص، إذ إننا نحاول عن وعي أو غير وعي أن نستبعد هويتنا الحضارية ومعرفتنا العربية أو الإسلامية وأي أدوات تحليلية مرتبطة بهذه الهوية وبتلك المعرفة. وهذا الاستبعاد هو في جوهره عملية قمع هائلة للذات، تستهلك جزءا كبيرا من طاقة الإنسان لإنجازها، وإن نجح في إنجازها فإنه يستهلك ما تبقى عنده من طاقة”
“نعم أتغير لأنني لو كنت أقول وأنا في الأربعين ما كنت أردده وأنا في العشرين ، فمعناه أن عشرين عاماً من عمري ضاعت سُدى”