“إن مسألة تعريب العلوم المضبوطة وتدريسها باللغة الأم من مسائل الساعة ، وهى تمس قضية ديمقراطية التعليم الصميم . هل نعلّم العلوم المضبوطة بلغة الشعب ، كى نسهم بذلك فى إدخال القوالب العلمية على هذه اللغة ، وبالتالى على الذهنية نفسها ، باعتبار أن اللغة ( كما أصبح معروفاً فى علم اللسان ) تشكل الذهن وتحدد النظرة إلى الوجود ، أم نستمر فى الحفاظ على الانشطار بين العلم والحياة ، وبالتالى نرسخ استمرارية التخلف الذهنى عند القطاع الأكبر من المواطنين ؟.وهكذا فإن نقل العلم بلغة الشعب تطوير له ولحياته ولهذه اللغة على حد سواء ، وإلا فإن هناك خطراً من تحول العلم إلى وسيلة للانفصال عن الشعب والتعالى عليه أو التنكر له .”
“الفئة المسيطرة تمارس صنوفاً من الضغط والارهاب المعيشى على المتعلمين الذين يحلمون بالتغيير . كما أنها تشجع على انتشار الخرافات ، واستمرار النظرة التقليدية المتخلفة إلى الوجود . وتستخدم هذه النظرة فى تكوين رأى عام مستعد لمقاومة دعاة التطوير . وهكذا يعانى المتعلم فى العالم المتخلف من استمرار الذهنية اللاعلمية لتضافر عدة أسباب :شدة غرس التفكير والمعاش الخرافى فى ذهنه منذ الطفولة ، سطحية التعليم وعدم مكاملته فى الشخصية ، لبعده عن تناول القضايا الحياتية والاجتماعية ، الانفصام بين العلم النظرى والتجربة المعاشة ، الخوف من التصدى للتيارات السائدة ( الخوف من الاتهام بالالحاد ) حفاظاً على لقمة العيش فى مجتمع قامع لا يضمن حرية الفكر ولا يؤمّن للانسان غده .وهكذا تسد السبل على أكثر من صعيد أمام تجاوز تخلف الذهنية والارتقاء بها إلى المنهجية العلمية المضبوطة .”
“لا يقف على فساد نوع من العلوم، من لا يقف على منتهى ذلك العلم، حتى يساوي أعلمهم في أصل ذلك العلم، ثم يزيد عليه، ويجاوز درجته فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم، من غوره وغائله، وإذا ذاك يمكن أن يكون ما يدعيه من فساده حقًا”
“دعك من نظرة المجتمع إلى من يصر على الحفاظ على قواعد اللغة.. إن الناس تتهمه بالتحذلق والسماجة، وبشكل ما يشعر بأنه كمن يصر على ارتداء طربوش على رأسه”
“علمت يقينًا أنّه لا يقف على فساد نوع من العلوم مَن لا يقف على منتهى ذلك العلم ، حتى يساوي أعلمهم في أصل ذلك ، ثم يزيد عليه ويجاوز درجته ، فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم من غورٍ وغائلة . وإذ ذاك يمكن أن يكون ما يدعيه من فسادٍ حقًّا ”
“لا أعرف إلى أى مدى فوجئ العالم العربى بلغة المحامين المصريين. لكن الذى أعرفه أنها ليست مشكلة المحامين وحدهم. ولكن المحامين مجرد «عينة» لمستوى خريجى الجامعات، الذين انتقلوا من الأمية اللغوية التى حصلوها فى مراحل التعليم السابقة. إلى مستوى آخر من الأمية فى الجامعات التى لا توجه أى عناية للغة العربية، بل إن بعض كلياتها أصبحت تتباهى بأنها فتحت أقساما «أرقى» تدرس باللغات الأجنبية، وطلابها وطالباتها ينظرون بدونية إلى زملائهم الذين يدرسون باللغة العربية.إذا تتبعنا المشكلة فى عمقها فسنجد أن انحطاط اللغة الفصحى له أسباب عدة من بينها اتصاله الوثيق بتراجع مؤشرات الاعتزاز بالهوية والكبرياء الوطنى. ولذلك فإن انحطاط اللغة يظل من تجليات الانحطاط الثقافى والهزيمة الحضارية. ولذلك قيل إن اعوجاج اللسان علامة على اعوجاج الحال.إن مراحل الضعف السياسى والانكسار الحضارى تصيب البنية الثقافية فى مقتل، بذات القدر الذى تضعف فيه مراكز العافية الأخرى فى المجتمع. لذلك فإن تدهور التعليم يصبح ضمن أخطر تلك الانهيارات، ذلك أنه لا يقوض الحاضر فقط لكنه يدمر المستقبل أيضا ــ من هذه الزاوية أزعم أن الأداء البائس للمحامين يظل أحد القرائن التى تدين عهد مبارك، وأن أولئك المحامين أصبحوا من حيث لا يدرون شهودا على انحطاط عهده الذى لم تصغر فيه مصر فقط، ولكنها مسخت وتشوهت أيضا.حين انهار التعليم فى مصر، لم ينحط مستوى الإحاطة باللغة العربية ولا ضعف مستوى الخريجين فقط، ولكن أدى ذلك إلى انتعاش المدارس الأجنبية التى باتت تهدد وجود العربية الفصحى ذاته. وفى الوقت الراهن فإن كل أبناء القادرين جرى احتلال لسانهم باللغة الإنجليزية إلا من رحم ربك بطبيعة الحال. واستمرار هذا الوضع يجعلنا نتشاءم كثيرا بالمستقبل، الذى أزعم أن الفصحى ستلقى فيه ضربات قاصمة وقاضية.فى أجواء الهزيمة ينتعش المتغربون ويجترئ الغلاة والمتعصبون الذين يعادون العربية الفصحى ويحتقرون شأنها. ولدينا فى مصر من بات يبث برامج تليفزيونية ونشرات إخبارية باللهجة العامية، فى عداء سافر للعربية الفصحى وللهوية التى عبر عنها. وقد بلغ احتقار العربية والازدراء بها حدا جعلنا نقرأ فى إعلان قبيح نشر أكثر من مرة فى شهر أبريل الماضى أن: الشبكتين بؤا (بقيا أو أصبحا) شبكة واحدة والفرحة بَئِت فرحتين!إن احتقار اللغة عار يعبر عن التصاغر واحتقار الذات.”