“ولعل تأخر المسلمين في بعض الميادين يرجع إلى أنهم فرضوا قيودا شتى على أنفسهم باسم الإسلام. فعاشوا في سجن هذه القيود المزعومة، لا يستطيعون حراكا، على حين انطلق غيرهم لا يعوقه شيء. وفي الوقت الذي احترموا فيه هذه القيود الباطلة، أفلتوا من قيود الكمال الروحي والذهني التي هي لباب الدين. ومن هنا وهت صلتهم بالدين، ووهت صلتهم بالدنيا، وهزموا في الميدانين معا ..”
“إن الوعظ يجعل الناس شديدين في نقد غيرهم ، فالمقاييس الأخلاقية التي يسمعونها من أفواه الوعاظ عالية جداً . وهم لا يستطيعون تطبيقها على أنفسهم ، فليجأون إلى تطبيقها على غيرهم ، وبذا يكون نقدهم شديداً .”
“ومتي استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله، فتصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها، وهذه درجة يرى فيها القلب يد الله في كل شيء يراه، ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئاً في الكون إلا الله (عز وجل)؛ لأنه لا حقيقة هناك يراهاإلا حقيقة الله (عز وجل).وحين يخلص القلب من الشعور بغير الحقيقة الواحدة، ومن التعلق بغير هذه الحقيقة.. فعندئذ يتحرر من جميع القيود، وينطلق من كل الأوهام.. يتحرر من الرغبة، وهي أصل قيود كثيرة، ويتحرر من الرهبة، وهي أصل قيود كثيرة، وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئاً متى وجد الله (عز وجل)؟! ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا لله (عز وجل)؟!”
“سيكون لغير المسلمين في الدولة الإسلامية من حرية الخطابة والكتابة، والرأي والتفكير، والاجتماع، والاحتفال، ما هو للمسلمين سواء بسواء. وسيكون عليهم من القيود والالتزامات في هذا الباب ما على المسلمين أنفسهم. فسيجوز لهم أن ينتقدوا الحكومة وعمالها حتى ورئيس الحكومة نفسه بحرية في ضمن حدود القانون. سيكون لهم من الحق في انتقاد الدين الإسلامي مثل ما للمسلمين لنقد مذاهبهم ونحلهم. ويجب على المسلمين أن يلتزموا حدود القانون في نقدهم هذا كوجوب ذلك على غير المسلمين.”
“التعاليم التي ندعوإليها هي الأركان المتفق عليها والنصوص المقطوع بها أما ما يحتمل عدة أفهام فلا دخل له في ميدان الدعوة! وإذا كان المسلمون أنفسهم في سعة أمام هذه الأفهام العديدة، وإذا قالوا: لا يعترض بمجتهد على مجتهد آخر، فكيف نلزم الأجانب بفقه خاص؟إننا نضع العواثق عمدا أمام الإسلام حين نفرض على الراغبين فيه تقاليدنا في الحكم والاقتصاد والمجتمع والأسرة وأغلب هذه التقاليد ليس له سناد قائم، بل أغلبه وليد عصور الانحراف والتخلف..و من الممكن بعد اقتناع الراغبين في الإسلام من اعتناقه، أن تترك لهم حرية الاختيار من الفروع التي لا حصر للخلاف فيها، ولا ميزة لرأي على آخر..إننا ندعوإلى الإسلام، لا إلى الاقتداء بالمسلمين! ندعوإلى الكتاب والسنة، لا إلى سيرة أمة ظلمت نفسها ولم تنصف تراثها.ذلك أن دين الله جدير بالاتباع أما مسالكنا نحن فجديرة بالنقد، والبعد...!”
“وأخطر هذه الألسنة التي تستفزُّ هذا العالم، هي الألسنة التي اتخذت كلمة الإسلام لغوًا على عذباتها.......وأخطر هذه الألسنة التي تستفزُّ هذا العالم، هي الألسنة التي اتخذت كلمة الإسلام لغوًا على عذباتها -أي أطراف الألسنة-، لا لأنَّها أعظم شأنًا وأعزُّ سلطانًا من الألسنة الأخرى، ألسنة المموِّهين باسم الحرية، واسم العلم، واسم الفنِّ، واسم الأخلاق، بل لأنَّها تعمد إلى كتاب أنزله الله بلاغًا للناس، وحكمة أوحيت إلى رسوله لتكون نبراسًا للمهتدين، فتحيلهما إلى معان من أهواء النفوس، التي لا تعرف الحقَّ إلا في إطار من ضلالاتها وأوهامها....ثم يتبعهم التابعون الجاهلون اتباعًا، هو سمعٌ وطاعة، لكن لغير الله ورسوله، بل للزُّور المدلَّس على كتاب الله وسنة رسوله. وإذا هؤلاء المتبعون يعدُّون هذه الضلالة دينًا، ويظنُّون هذا الدين الجديد إحياء للإسلام. وإذا هم يأخذون دينهم من حيث نهوا أن يأخذوا.... يأخذونه عن مبتدع في الدين برأيه، محيل لنصوصه بفساد نشأته، مبدِّل لكلماته بهوى في نفسه، محرِّف للكلم عن مواضعه بما يشتهي وما يحبُّ، مختلس لعواطف الناس بما فيه من حبِّ اتباعهم له، خادع لعقولهم برفعة الإسلام، ومجد الإسلام، وهو لا يبغي الرفعة ولا المجد إلا لنفسه.”