“قادت النمسا تحالف أوربا الرجعية ضد نابليون بعد هزيمته في العام 1815 . وكانت صاحبة الموقف الداعي لإخماد جميع الحركات والثورات بصورة فورية لمصلحة النظام القديم , منذ العام 1820 ولاحقاً . وهو موقف يشيه إلى حد كبير موقف المملكة العربية السعودية بعد الثورات في مصر وتونس .”
“مصيبة أن يستنتج ديمقراطيون عرب من التجربة العراقية ضرورة اتباع النظام التوافقي لأن هذه التجربة أثبتت قي رأيهم أن ولاء العربي هو أولا للجماعة العضوية المباشرة ولأنه في أي انتخابات ديمقراطية سوف يقرر أن يصوت بموجب الانتماء وجماعة الهوية هذا طبعا لا يؤسس لنظام سياسي حزبي نسبي كما أنه يحول الأكثرية إلى أكثرية طائفية أو مذهبية أو عشائرية أو إلى تحالف جماعات يحرم جماعات أخرى إلى الأبد من المشاركة في الحكم فيحولها في الواقع أو في تصورها للواقع أو في كليهما إلى أقليات مضطهدة”
“لم يكن قادة المشروع القومي في مصر والجزائر وسوريا والعراق فاسدين، كما يدعي حاليا من يحاول أن يسقط على الماضي تجربة الحاضر قسرا. فربما انتشر نوع من سوء الإدارة، أو ربما كانت هنالك حالات من الفساد الفردي. ولكن صنّاع القرار لم يتحولوا إلى أثرياء عبر استغلال الموقع السياسي، ولم يسد فيهم حكم العائلة والأقارب، "نيبوتيزم". فنحن نعرف أسماء أبناء عائلاتهم وأبنائهم من كتابة المذكرات الجارية حاليا. ولا يقارن كل هذا مع فساد الأنظمة الدائرة في فلك الاستعمار أو بفساد نيو لبراليي اليوم، وحلفاء اميركا، او بالفساد المستشري في الدولة القومية المتأخرة بفئاتها الطفيلية من القرابة والنيابة وحتى الوزارة والحزب. فهي التي حولت الحزبية من موقف وبرنامج ونضال وعبء وواجب وسعي للسيطرة لغرض تطبيق الأفكار والبرامج إلى نفوذ ورأس مال سياسي له قيمة تبادلية مثل أية سلعة، ومثل أي قطاع في اقتصاد الخدمات، ولذلك يجوز استبداله بالثروة... ولذلك صارت المراءاة هي الطريق إلى الجاه، والجاه هو الطريق إلى المال، وصار ابن خلدون مصدرا للمصطلحات في فهم المرحلة.لقد سعى ذلك الجيل فعلا الى بناء ثقافة وطنية ودولة حديثة والى تطوير الزراعة والصناعة وتعميم التعليم والى العدالة الاجتماعية وإلى تحرير فلسطين. وبغض النظر او بدون غض النظر عن أخطائهم، كانت هذه أولوياتُهم فعلا. كانوا أصحابَ مشروعٍ عام. أما الطبقةَ السياسيةَ في أيامنا فصاحبة مشاريع خاصة، في الجمهوريات وفي الأنظمة الملكية. وإذا كانت القيادات السياسية في يومنا صاحبة مشاريع خاصة سياسية واقتصادية، مسخِّرة في خدمتها أدوات حزبية وأمنية وعشائرية وطائفية، فلا بد ان تنحلَّ معها الأعرافُ والأخلاقُ العامة. فليس الصالحُ العامُ عبارة عن مجموع المصالح الخاصة. والدفاع عن المصالح الخاصة في حرب الكل ضد الكل لا يؤسس لأخلاق عامة بل لخيارات: الاستبداد او الفوضى. تقوم الأخلاق العامة على وجود صالح عام وحيز عام. وتقوم السياسة الجمهورية، خلافا لإدارة الامتيازات الملكية والأرستقراطية، تقومُ على فصل الحيز العام عن الخاص... بما يحافظ على كل منهما.”
“أن تكون عروبياً يعني أن تعرف نفسك كعربي في فضاء الانتماءات السياسية. ليست القومية العربية إيديولوجية شاملة، بل انتماء ثقافي يدعي العروبي أنه أصلح من الطائفة، ومن العشيرة، لتنظيم المجتمع الحديث في كيان سياسي. ويثبت الواقع الحالي البائس في الدول العربية أنه أنه أكثر توحيداً للشعب في أية دولة عربية من الانتماء القطري، وهو بالتالي أضمن لوحدته من اختراع هوية وطنية على أسس طائفية أو عشائرية.”
“لا تتطابق الأكثريّة و الأقلّيّة في الدولة الديمقراطيّة مع الأكثريّة و الأقلّيّة الإثنيّة,بل تبقى أكثريّة و أقلّيّة رأي و موقف و مصلحة و برنامج في إطار تنافس على إدارة و تمثيل المجتمع ككلّ,و ليس في إطار تنافس على تمثيل طائفة أو عشيرة. و لا مجال للحديث عن تسامح "نحن" مع "هم" في هذه الحالة,كأن جزءا من المواطنين يملك الدولة بسبب هويته الدينيّة أو العشائريّة أو حتى القوميّة....و كأنّ الآخرين هم مجرّد رعايا أو ضيوف”
“يمكن القول إن عنصري الجدّة والراديكالية في الثورة وعدم قبولها وجود سلطة فوق الدولة والمجتمع تُبرّر النظام السياسي القائم، ذلك كله شأن علماني حديث، حتى لو أعيد صوغه صوغًا دينيًا. تتضمن الثورة رفض التسليم بوجود مبرّراتٍ ثابتة للنظام القائم. ولا تقبل الثورة الحديثة نظامًا هرميًا معطى كشأنٍ مقدّس، مثل نظام يجعل الفرق بين الحاكمين والمحكومين جوهريًا كمعطى طبيعي أو كنظام مقدّس نابع من نظام إلهي للكون، تحميه نصوص وتعاليم تقوم على تفسيرها مؤسسة دينية مثلاً. ويبدو، أوّل وهلة، أن هذا الجزم يعني أن الثورات الدينية لم تكن ثورات. والحقيقة أنه يعني أن التمردات التاريخية ما قبل الحداثة لم تكن ثورات، كما نفهم الثورة منذ الثورة الفرنسية فصاعدًا، سواء أكانت دينية الخطاب والدوافع أم غير دينية. وقد سمّاها أصحابها غير ذلك في أي حال. وحين سميّت ثوراتٍ فإنما كان القصد من ذلك حالة التمرد والهيجان. ولكن الثورة الحديثة شأن علماني حتى إذا كانت دينية، لأن الدينية هنا تفترض عمليّة علمنة سابقة عليها، أولاً لأنها تأتي بعد أن نزعت القدسية عن النظام السياسي الاجتماعي القائم ما يجيز الثورة عليه; وثانيًا لأنها تفترض أن على الناس أن يحدّدوا مصائرهم بأنفسهم في إطار الدولة الوطنية القائمة، ولو صاغوا ذلك دينيًا، فالدولة الوطنية شأن حديث وكيان علماني; وثالثًا فقد جرت عملية علمنة سابقة جعلت الخطاب الديني يتسيّس، أو يحاول أن يحتلّ السياسة من جديد.”
“إن الثورة في سبيل الحرية لا تضمن بناء الديمقراطية دائماً , فعملية بناء الديمقراطية عملية معقدة من الموازنة بين العام والخاص , والرقابة على السلطات , وتنظيم عملية مشاركة المواطنين بالإقتراع وقبله وبعده , وضمان ألا تكون الأغلبية أغلبية هوية ثابتةٍ , بل أغلبية رأي ومصالح , وألا تعتبر الأقليات على مستوى الهوية أقليات سياسية مؤبدة كأقليات , وضمان أن تتضمن حلولاً وسطاً ..”