“وإن وعد الله لقائم لكل السالكين في الطريق ; وإنه ما من أحد يؤذى في سبيل الله , فيصبر ويستيقن إلا نصره الله في وجه الطغيان في النهاية , وتولى عنه المعركة حين يبذل ما في وسعه , ويخلي عاتقه , ويؤدي واجبه .”
“فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية فأمر تكفل به وعد الله . وما يشك مؤمن في وعد الله . فإن أبطأ فلحكمة مقدرة , فيها الخير للإيمان وأهله . وليس أحد بأغير على الحق وأهله من الله . وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة , ويقع عليهم البلاء , أن يكونوا هم المختارين من الله , ليكونوا أمناء على حق الله . وأن يشهد الله لهم بأن في دينهم صلابة فهو يختارهم للابتلاء: جاء في الصحيح:" أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الصالحون , ثم الأمثل فالأمثل , يبتلى الرجل على حسب دينه , فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء ”
“ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، فلا يقفن أحد في وسط الطريق , وقد مضى في الجهاد شوطا ; يطلب من الله ثمن جهاده ; ويمن عليه وعلى دعوته , ويستبطئ المكافأة على ما ناله ! فإن الله لا يناله من جهاده شيء . وليس في حاجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل: (إن الله لغني عن العالمين). وإنما هو فضل من الله أن يعينه في جهاده , وأن يستخلفه في الأرض به , وأن يأجره في الآخرة بثوابه.”
“يتحدث سيد قطب عن تعريف المجتمع الجاهلي وخصائصه ويورد الأمثلة الواقعية على ذلك إلى أن يقول : " وأخيرا يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها "مسلمة"! وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضا، ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها. فهي - وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله- تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها، وشرائعها وقيمها، وموازينها، وعاداتها وتقاليدها...وكل مقومات حياتها تقريبا!.”
“إن القيمة الكبرى في ميزان الله هي قيمة العقيدة، وإن السلعة الرائجة في سوق الله هي سلعة الإيمان، وإن النصر في أرفع صوره هو انتصار الروح على المادة، وانتصار العقيدة على الألم،وانتصار الإيمان على الفتنة”
“إلى الفتية الذين كنت ألمحهم بعين الخيال قادمين؛ فوجدتهم في واقع الحياة قائمين.. يجاهدون في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم، مؤمنين في قرارة نفوسهم أن العزة لله و لرسوله و للمؤمنين.إلى هؤلاء الفتية الذيت كانوا في خيالي أمنية و حلما، فإذا هم حقيقة و واقع، حقيقة أعظم من الخيال، و اقع أكبر من الآمال.إلى هؤلاء الفتية الذين انبثقوا من ضمير الغيب كما تنبثق الحياة من ضمير العدم، و كما ينبثق النور من خلال الظلمات.إلى هؤلاء الفتية الذين يجاهدون باسم الله. في سبيل الله. على بركة الله. أهدي هذا الكتاب.”
“ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها. إن ذلك على الله يسير. لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور.وقيمة هذه الحقيقة التي لا يتصور العقل غيرها حين يتصور حقيقة الوجود الكبرى. قيمتها في النفس البشرية أن تسكب فيها السكون والطمأنينة عند استقبال الأحداث خيرها وشرها. فلا تجزع الجزع الذي تطير به شعاعًا وتذهب معه حسرات عند الضراء. ولا تفرح الفرح الذي تستطار به وتفقد الاتزان عند السراء: (لكي لا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم).. فاتساع أفق النظر، والتعامل مع الوجود الكبير، وتصور الأزل والأبد، ورؤية الأحداث في مواضعها المقدرة في علم الله، الثابتة في تصميم هذا الكون.. كل أولئك يجعل النفس أفسح وأكبر وأكثر ثباتًا ورزانة في مواجهة الأحداث العابرة. حين تتكشف للوجود الإنساني وهي مارة به في حركة الوجود الكوني. إن الإنسان يجزع ويستطار وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود. ويتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير. فأما حين يستقر في تصوره وشعوره أنه هو والأحداث التي تمر به، وتمر بغيره، والأرض كلها.. ذرات في جسم كبير هو هذا الوجود.. وأن هذه الذرات كائنة في موضعها في التصميم الكامل الدقيق. لازم بعضها لبعض. وأن ذلك كله مقدر مرسوم معلوم في علم الله المكنون.. حين يستقر هذا في تصوره وشعوره، فإنه يحس بالراحة والطمأنينة لمواقع القدر كلها على السواء. فلا يأسى على فائت أسى يضعضعه ويزلزله، ولا يفرح بحاصل فرحا يستخفه ويذهله. ولكن يمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى. رضى العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون ! وهذه درجة قد لا يستطيعها إلا القليلون. فأما سائر المؤمنين فالمطلوب منهم ألا يخرجهم الألم للضراء، ولا الفرح بالسراء عن دائرة التوجه إلى الله، وذكره بهذه وبتلك، والاعتدال في الفرح والحزن. قال عكرمة - رضي الله عنه - "ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا".. وهذا هو اعتدال الإسلام الميسر للأسوياء..”