“إن الملاك في تصور العرب كائن روحي غير منظور بين الإله وبين الجني الخارق، يستحق التبجيل وحتى العبادة، ولكن ليس له مكانة محددة في النظام التراتبي للكائنات فوق الطبيعة. وكأن الملاك يُبجّل في بعض الأحيان بوصفه وسيطاً أو شفيعاً بين الإله الأعظم وبين البشر، ولكنه غالباً ماكان بذاته موضوعاً للتقديس والعبادة. إلا أن الإسلام أتى بتغيير جوهري لهذا التصور ذي تأثير بالغ العمق على رؤية العرب للعالم. فمع تأسيس نظام المركزية الإلهية الجديد تماماً أصبح للملائكة موقع محدد في تراتبية الموجودات.”
“إن عبادة الملائكة كانت منتشرة كما يبدو بين العرب في الجاهلية. والقرآن نفسه يخبرنا أن هناك الكثير ممن يؤمنون بهم ويزعمون أنهم بنات الله. وكلمة "ملاك" أو مَلَك" كانت شائعة حتى بين البدو الأقحاح، وليس فقط بين سكان المدن الذين يمكن أن يكونوا قد تأثروا بسهولة بالديانات اليهودية والفارسية في ما يخص هذا الموضوع .”
“إن وجود إله يدعى "الله" - فضلاً عن منزلته العليا بين الآلهة الأخرى - كان معروفاً ومقبولاً في الجاهلية، لكنه كان على الرغم من ذلك واحداً من الآلهة فحسب.”
“ونحن نريد بدراسة الجذور أن نميز العروبة والإسلام في وجهتنا. فمع أن الإسلام جاء ثورة عربية، ومع التوافق الكلي بين الخط العربي والخط الإسلامي في صدر الإسلام، فإن التباين بين الخطين بدا حين توسع الإسلام في آفاقه، وحين اتخذ سبيلاً لضرب العرب، وحين انجر العرب باسم الدين إلى قبول سيادات أجنبية، ما لبثوا أن ثاروا عليها. إن اعتزازنا بالتراث، وإعطاءنا القيم منزلتها لا يعنيان اتخاذ الإسلام رابطة سياسية أو إقامة الكيان على أساسه.”
“ويقررون أن هذا التشاكل بين القوتين ينجرّ بعوام البشر وهم السواد الأعظم إلى نقطة أن يلتبس عليهم الفرق بين الإله المعبود بحق وبين المستبد المطاع بالقهر، فيختلطان في مضيق أذهانهم من حيث التشابه في استحقاق مزيد التعظيم، والرفعة عن السؤال وعدم المؤاخذة على الأفعال، بناء عليه لا يرون لأنفسهم حقاً في مراقبة المستبد لانتفاء النسبة بين عظمته ودنائتهم، وبعبارة أخرى يجد العوام معبودهم وجبّارهم مشتركين في كثير من الحالات والأسماء والصفات، وهم هم، ليس من شأنهم أن يفرقوا مثلاً بين (الفعّال المطلق) والحاكم بأمره، وبين (لا يسأل عما يفعل) وغير مسؤول، وبين (المنعم) وولي النعم، وبين (جل شأنه) وجليل الشأن. بناء عليه يعظمون الجبابرة تعظيمهم لله، ويزيدون تعظيمهم على التعظيم لله لأنه حليم كريم ولأن عذابه آجل غائب، وأما انتقام الجبار فعاجل حاضر.”
“بين أن يحب المرء وبين أن يظن أنه يحب، وحده الإله بمقدوره أن يميز بين الحالتين .”
“يقول أحد المستشرقين في كتاب "الشرق الأدنى، مجتمعه وثقافته": "إننا في كل بلد إسلامي دخلناه، نبشنا الأرض لاستخراج حضارات ما قبل الإسلام. ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذب ولائه بين الإسلام وبين تلك الحضارات"!ولعل من الأمثلة الواضحة على ذلك قول "شاعر النيل" حافظ إبراهي:أنا مصري بناني من بنى هرم الدهر الذي أعيا الفنا!ذلك مع أن له شعرا كثيرا في "الإسلاميات"!والمستشرق -الصريح- يكتفي منه بهذا التذبذب بين الفرعونية وبين الإسلام! كما يكتفي من غيره بالتذبذب بين الإسلام والآشورية أو الفينيقية أو البربريو أو الجاهلية العربية أو غيرها من الجاهليات!”