“خبيء وجهي الباكي علي صفحة وجهها النائم يا ليل ، وترفّق بنا ..ألا تترفق !”
“هتفتُ: "يا الله!" وأنا أقف - بعد أن عبرت البهو وانعطفت إلى المدخل - في مواجهة تاج محل. إنه شيء آخر، مختلف تماما عن كل الصور التي رأيتها، برغم جودة معظمها الفائقة. إنه إحدى عجائب الدنيا السبع بحق، والأعجوبة فيه لا تكمن في دقة معماره وكمال تناسب أجزائه والصفاء المطلق لبياضه المقدود من المرمر الخالص. لا، الأعجوبة في الإحساس به عند مشاهدته، فقد أحسست حياله وكأنني في حلم، وكان لديّ هاجس خافق بأن هذا المبنى البديع الضخم خفيف ومسحور إلى درجة أنه يوشك على الارتفاع والطيران والاختفاء في صفاء زرقة السماء أو التلاشي في بياض السحب.”
“أظن أن إكسير حياتي كلها كان هذا المزيج السحري الشفاف الذي تلخصه الدهشة، في المدرسة الابتدائية كان أحد مدرسينا الرائعين يسميني «المندهش»، لأنني كنت شاردا دائما، وبعيون مفتوحة أطل على ما يحدث خارج الفصل، عبر النافذة التي كنت أحارب للجلوس إلى جوارها، في الصفوف الخلفية. كنت أقطف دهشتي من سحابة عابرة تتشكل في صورة سفينة، سفينة تسبح في السماء، أو عصفور يتقافز بدوافع سرية من غصن إلى غصن على شجرة في الفناء، أو قطة تطارد فراشة على السور.كان ذلك يشكل لي مآزق متواصلة، أقلها أن كثيرين ظلوا يعتقدون إنني لا أسمع، لأنهم يمعنون في ندائي ولا أجيب، وكانوا لايدركون أنني تائه في عالم مواز أبحث عن أكسير الدهشة.”
“حقاً .. ما دخل العنف في شئ إلا شانه، وما دخل الرفق في شئ إلا زانه.”
“عدم الدقة في المفاهيم ، كثيرا ما يقودنا إلى رفض لا أساس له ، أو قبول لا إمعان فيه . ومن ثم نجد أنفسنا واقعين إما في دائرة التعسف ، أو في حبائل الدجل . وحتى ننجو من هذا وذاك ، ونقف في الموضع الأفضل ، لا بأس علينا من بعض المراجعة.”
“فلتكتف إذن في البداية بالمشاهدة،برؤية لعبهم الغريب هذا، وتأمل شرودهم المرير.شرود وجوه لا عيون في محاجرها، لكنها تعطيك أشد الانطباع بتحديقها في زمن بعيد،زمن كانت لهم فيه عيون وأبصار.”