“والإسلام يحترم غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، ويعتبرهم في ذمة الله وذمة رسوله وذمة المسلمين، أي في عهدهم وضمانهم، وهذا تعبير ديني يعني لدى المسلم: أنه يتعبد لله تعالى بالمحافظة عليهم والدفاع عنهم والبر لهم والإقساط إليهم. فإن كان التعبير يؤذيهم فليُترك حرصا على شعورهم، والعبرة بالمسميات لا بالأسماء. وقد غيّر عمر بن الخطاب ما هو أهم من ذلك حين طلب إليه نصارى بني تغلب من العرب أنهم يأنفون من كلمة "جزية" وأنهم يريدون أن يدفعوا كل ما يُطلب منهم وأكثر باسم "الصدقة" فقبل عمر منهم ذلك وقال: هؤلاء القوم حمقى، رضوا المعنى وأبَوْا الاسم!”
“قال رجل لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين - لو وسعت على نفسك في النفقة ، من مال الله تعالى ، فقال له عمر : أتدري ما مثلي ومثل هؤلاء ؟ كمثل قوم كانوا في سفر ، فجمعوا منهم مالا ، وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم ، فهل يحل لذلك الرجل ، أن يستأثر عنهم من أموالهم ؟ .”
“سيكون لغير المسلمين في الدولة الإسلامية من حرية الخطابة والكتابة، والرأي والتفكير، والاجتماع، والاحتفال، ما هو للمسلمين سواء بسواء. وسيكون عليهم من القيود والالتزامات في هذا الباب ما على المسلمين أنفسهم. فسيجوز لهم أن ينتقدوا الحكومة وعمالها حتى ورئيس الحكومة نفسه بحرية في ضمن حدود القانون. سيكون لهم من الحق في انتقاد الدين الإسلامي مثل ما للمسلمين لنقد مذاهبهم ونحلهم. ويجب على المسلمين أن يلتزموا حدود القانون في نقدهم هذا كوجوب ذلك على غير المسلمين.”
“وكما أن لفظ كلمة "علمانية" دخيل على معاجمنا العربية، فإن معناها ومدلولها - سواء أكانت بكسر العين أم بفتحها - ما يقابل الدين. فالعلماني ما ليس بديني، وكأن مدلول العلمانية المتفق عليه يعني: عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسا في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه، فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوها. وهذا المعنى غير معروف في تراثنا الإسلامي، فتقسيم شئون الحياة إلى ما هو ديني وما هو غير ديني تقسيم غير إسلامي، بل هو تقسيم مستورد مأخوذ من الغرب النصراني. وما نراه اليوم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من تقسيمات للحياة والناس والمؤسسات إلى ديني وغير ديني ليس من الإسلام في شيء.”
“إذا انشغل الناس في المفاضلة بين رجال أحياء كان ذلك دليلا على حيوية المجتمع. وهذا هو ما يجري الآن في البلاد الراقية حيث يدور الجدل في أوقات الانتخاب حول فضائل رجال السياسة أو أمثالهم ليعرف الناس ما لهم وما عليهم. أما إذا اختلف الناس في فضائل رجال أموات كان ذلك دليلا على مرض المجتمع و اقترابه من الموت. ولا يهتم بالموتى إلا الذي يريد أن يموت و يذهب إلى حيث يعيش الموتى عليهم رحمة الله”
“لو كان في مدينة القدس، وقت الفتح الإسلامي، معابد أو هياكل أو آثار يهودية، لما كان هناك ما يدعو جنرالات إسرائيل، أمثال "موشى ديان" و"يادين" و"وايزمان" و"هرتزوج" إلى أن يتحولوا إلى علماء آثار، وهواة حفريات.. ينقبون تحت الأرض، في القدس وما حولها، يفتّشون عن معابد يهودية قديمة، أو هياكل يهودية بائدة.. دون أن نسمع حتى الآن أنهم وجدوا شيئاً !لو كان في القدس، عندما دخلها المسلمون في السنة الخامسة عشرة من الهجرة، معبد أو هيكل يهودي، لأمر أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" بالإبقاء عليه، بل لأمر بصيانته ورعايته.. ولأمر بالمحافظة على نقوشه ومحتوياته، مثلما أمر بالمحافظة على كنائس المسيحيين ومزاراتهم، وما فيها من صور وصلبان وتماثيل.فلم يكن هناك سبب ديني -والدين هو الذي يحدد خطى المسلمين وأعمالهم في ذلك الزمان- يدعو إلى أن يفرّق المسلمون بين كنائس المسيحيين ومعابد اليهود.. فهؤلاء وأولئك من أهل الكتاب، وسوّى بينهم الإسلام في الحقوق والواجبات.. فإكراههم على الدخول في الإسلام محظور، وحقهم في أن يعيشوا في المجتمع الإسلامي سالمين آمنين مكفول.. هذا حق لليهود وللمسيحيين على السواء، تقابله واجبات، أو واجبان على وجه التحديد.. هما واجب "الجزية".. وواجب الامتناع عن إحداث فتنة عامة في المجتمع الإسلامي، لكي يعيشوا هم والمسلمون جنباً إلى جنب متفاهمين ومتعاونين.”