“يَجِدُ الطّفلُ على كُلِّ حالةٍ وفي كُلِّ مكانٍ سرورَ نفسهِ، لسببٍ واحدٍ وهو أَنَّ ابتسامَهُ أبدًا مَعَه، فهو لم يَمْلِك من الوجودِ شيئًا بعدُ، ولكنه أغنى مَنْ عليها بهذا الكَنْز الذي خَبَّأتْه السماءُ فيه، فيُنْفق منه فيما لا تُباع كنوزُ الأرض ولا تُشْرَى!”
“يا من خصني بهذا القلب العاشق الذي يتألم ويضطرب حتى عندما ألمس كتاباً أعرف أن فيه قصة حب وهو مع ذلك يتكبر على كل آلامه ولا يخضع أبداً إلا جواباً على خضوع آخر فكأنه لا يدنيني ممن أحبهم إلا لأعرف ما أكرهه فيهم، وهو من فرط رقته آلة إحساس جامدة لا قلب حي”
“إن كلمة الكفر لا تكون كافرة إذا أُكره عليها من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان، وكلمة الفجور أهون منها وأخف وزنًا وشأنا، لكنها لا تكون إلا فاجرة أبدًا، إذ لا إكراه على هذه الدعارة إكراهًا لا خيار فيه”
“لله منك أيتها الفئة الباغية! العلم الذي لا يخلق ذبابة ولا أحقر من ذبابة ولكنه يجدها فيتفلسف ويقول لنا: كيف خلقت؟ هو الذي يريدكم على أن تكذبوا بالخالق”
“إن أفقر الفقراء ليس هو الذي لا يجد غذاء بطنه، ولكنه الذي لا يستطيع أن يجد غذاء شعوره، فلا تحسبن أن مع جنون الضمير وجفوته ومرضه سعادةً وراحة، لأن لذة المال لا تتجاوز الحواس الظاهرة فهو يبتاع لها كل شيء مما تشتهي ولكنه لا يستطيع أن ينيل القلب شيئاً إلا إذا جاءه بالخير والفضيلة..والغني الذي يمنع الفقراء ماله قد يزيد فيه ولو فرضاً بمقدار ما يمنع... بضعة دراهم، أو بضعة دنانير،، ولكنه يزيد ضميره جفاء بالقسوة والغلظة ونسيان الفضيلة، ولا يزال على ذلك حتى يمر به يوم يفقد فيه ضميره كل شعورٍ بالخير فيفقد معه كل شعورٍ بلذة النفس التي هي أقرب المعاني إلى معنى السعادة”
“والقلب الكريم لا ينسى شيئاً أحبه ولا شيئاً ألفه، إذ الحياة فيه إنما هي الشعور،والشعور يتصل بالمعدوم اتصاله بالموجود على قياس واحد، فكأن القلب يحمل فيما يحمل من المعجزات بعض السر الأزلي الذي يحيط بالأبعاد كلها إحاطة واحدة، لأنها كلها كائنة فيه: فليس بينك وبين ما مر من حياتك إلا لحظة من الفكر، هي للماضي أقصر من التفاتة العين للحاضر”
“ما الفراق إلا أن تشعر الأرواح المفارقة أحبتها بمس الفناء لأن أرواحاً أخرى فارقتها؛ ففي الموت يُمسُّ وجودنا ليتحطِّم، وفي الفراق يُمسُّ ليلتوي؛ وكأن الذي يقبض الروح في كفه حين موتها هو الذي يلمسها عند الفراق بأطراف أصابعه! وإن الحبيب وجود حبيبه لأن فيه عواطفه، فعند الفراق تُنتزع قطعةٌ من وجودنا فنرجع باكين، ونجلسُ في كل مكانٍ محزونين، كأن في القلوب معنىً من المناحة على معنًى من الموت! وكلُّ ما فيه الحب فهو وحده الحياة ولو كان صغيراً لا خَطَر له، ولو كان خسيساً لا قيمة له، كأن الحبيب يتَّخذ في وجودنا صورةً معنويةً من القلب! والقلب على صِغَره يخرج منه كلُّ الدم ويعود إليه كل الدم. في الحبّ يتعلم القلبُ كيف يتألم بالمعاني التي يُجرِّدها من أشخاصها المحبوبة وكانت كامنة فيهم، وبالفراق يتعلّم القلب كيف يتوجَّع بالمعاني التي يجرِّدها هو من نفسه وكانت كامنةً فيه. فترى العمرَ يتسلَّل يوماً فيوماً ولانشعر به، ولكن متى فارقنا من نحبهم نبَّه القلب فينا معنى الفراغ؛ فكان من الفراق على أكبادنا ظمأٌ كظمإ السقاءِ الذي فرغ ماؤه فجفَّ وكان الفراقُ جفافَه. ألا ياطائر الحب، إن لك إذا طرت جناحين؛ فما أقرب من هو على جناح الفراقِ ممن هو على جناح الهجر.”