“قال الشافعي رضي الله عنه: ماناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطىء. وقال: ما كلمت أحداً قط إلا احببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله تعالي وحفظ، وما كلمت أحداً قط وأنا أبالي أن يبين الله الحق علي لساني أو علي لسانه.”
“وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي رحمه الله تعالي، فانظر إلي إنصاف الداعي وإلي درجة المدعو له وقس به الأفران والأمثال من العلماء في هذه الأعصار وما بينهم من المشاحنة والبغضاء لتعلم تقصيرهم في دعوي الاقتداء بهؤلاء.”
“روي أن عبد القاهر بن عبد العزيز قال للشافعي يوما: أيما أفضل الصبر أو المحنة أو التمكين؟ فقال الشافعي رحمه الله: التمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر وإذا صبر مكن؛ ألا تري أن الله عز وجل امتحن إبراهيم عليه السلام ثم مكنه، وامتحن موسي عليه السلام ثم مكنه، وامتحن أيوب عليه السلام ثم مكنه، وامتحن سليمان عليه السلام ثم مكنه وآتاه ملكا، والتمكين أفضل الدرجات، قال الله عز وجل (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) وأيوب عليه السلام بعد المحنة العظيمة مكن، قال الله تعالي (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ)”
“روي عبد الله بن محمد البلوي قال: كنت انا وعمر بن نباتة جلوسا نتذاكر العباد والزهاد فقال لي عمر : ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلي الصفا وكان الحارث تلميذ الصالح المري فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت، فقرأ هذه الآية عليه (هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ*وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) فرأيت الشافعي رحمه الله وقد تغير لونه واقشعر جلده واضطرب اضطرابا شديدا وخر مغشيا عليه فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكاذبين وإعراض الغافلين، اللهم لك خضعت قلوب العارفين وذلت لك رقاب المشتاقين، إلهي هب لي جودك وجللني بسترك واعف عن تقصيري بكرم وجهك. قال: ثم مشي وانصرفنا فلما دخلت بغداد وكان هو بالعراق فقعدت علي الشط أتوضأ للصلاة إذ مر بي رجل فقال لي: يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة، فالتفت فإذا برجل يتبعه جماعة، فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفو أثره، فالتفت إلي فقال: هل لك من حاجة؟ فقلت: نعم، تعلمني مما علمك الله شيئا، فقال لي اعلم أن من صدق الله نجا، ومن أشفق علي دينه سلم من الردي، ومن زهد في الدنيا قرت عيناه مما يراه من ثواب الله تعالي غدا، أفلا أزيدك؟ قلت: نعم. قال: من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان: من امر بالمعروف وائتمر ونهي علي المنكر وانتهي، وحافظ علي حدود الله تعالي، ألا أزيدك؟ قلت: بلي، فقال: كن في الدنيا زاهدا وفي الآخرة راغبا واصدق الله تعالي في جميع أمورك تنج مع الناجين، ثم مضي، فسألت: من هذا؟ فقالوا: هو الشافعي. فانظر إلي سقوطه مغشيا عليه ثم إلي وعظه كيف يدل علي زهده وغاية خوفه! ولا يحصل هذا الخوف والزهد إلا بمعرفة الله عز وجل.”
“ومن الناس من غرهم كرم الله ورحمته ، ولكن جميع آي القرآن دالة على أن كرمه ورحمته بأن يوفق في الدنيا للخيرات ، قال تعالى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، وقال تعالى: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام. ثم هلا اعتمد على كرمه في الرزق؟! فإذا أُمر بالتوكل على الله والتعويل على كرمه في الرزق لا يفعل ، وإذا أُمر بالعمل للآخرة يتوكل ، وهذا غاية الانعكاس!”
“قال سهل رحمه الله: الناس كلهم موتي إلا العلماء والعلماء سكاري إلا العاملين والعاملون كلهم مغرورون إلا المخلصين والمخلص علي وجل حتي يدري ماذا يختم له به.”
“ولم یكن ذلك بنظم دلیل وترتیب كلام ، بلبنور قذفه الله تعالى في الصدر وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف ، فمن ظن أنالكشف موقوف على الأدلة المحررة فقد ضیق رحمة الله [ تعالى ] الواسعة ؛ ولما سئلرسول الله صلى الله علیه وسلّم عن ( الشرح ) ومعناه في قوله تعالى:( (( فمن یرد الله أن یهدیه یشرح صدره للإسلام)) (الأنعام: 125قال: (( هو نور یقذفه الله تعالى في القلب )) فقیل: (وما علامته ؟) قال: (( التجافي. وهو الذي قال صلى الله علیه وسلم ] عن دار الغُرُورِ والإنابة إلى دارِ الخُلُود )) فیه:(( إن الله تعالى خلق الخلقَ في ظُلْمةٍ ثم رشَّ علیهمْ من نُورهِ )) فمن ذلك النور ینبغي أن یطلب الكشف ، وذلك النور ینبجس من الجود الإلهي فيبعض الأحایین ، ویجب الترصد له كما قال صلى الله علیه وسلّم:(( إن لربكم في أیامِ دهركم نفحاتٌ ألا فتعرضُوا لها ))”