“أغلب أفراد مجتمعنا يتخذون نظرة معينة من هذا التاريخ و التراث، نظرة تبالغ في التقديس الأبله و لا ترى إلا فضائل و محاسن و صفحات مشرقة بيضاء و أمجاداً غراء محجلة؛ فماذا يكون حين يرى بعض مفكرينا أن واجب الأمانة العلمية يضطرهم إلى الكشف عن جوانب النقص و العيوب و الجرائم و المخازى؟!”
“آن لنا أن نُدخل على فهمنا لمعنى الوطنية تغييراً جذرياً يؤدى بنا إلى أن نُدرك أن الوطنية ليست مجرد الاعتزاز بالوطن و التفاخر بمحامده و إعلان مزاياه و مناقبه، بل الوطنية الصحيحة؛ هى الرؤية الواضحة الواعية لحقيقة الأحوال و الأوضاع، خيرها و شرها، حسنها و قبيحها. ليس هذا فحسب، بل إن الجزء الأثمن من الوطنية هو الذي يدرك النقائص و العيوب و يعترف بها بها اعترافاً صادقاً أميناً. هذا هو الجزء الأكبر نفعاً، و هو الذي يحتاج إلى نصيب أهعظم من الشجاعة و التضحية، فهو أكبر دليل على صدق الرغبة فى خدمة الوطن و نفعه ،،،”
“إن أنت قرأت فى تاريخ الجهاد الفكري و تدبرت سير الدعاة إلى الإصلاح أو الثورة فإنك واجد أن كل الداعين إلى رأى جديد أو مذهب جديد يخالف ما شاع فى مجتمعهم قد اتهموا بأنهم إنما جاؤوا ليفسدوا المجتمع الفاضل و يشيعوا التحلل الخلقي. تجد هذا فى التاريخ الغربي منطبقاً على كل مفكر واعٍ من سقراط إلى برنارد شو، و تجده فى تاريخنا الحديث منطبقاً على كبار مفكرينا و دعاة الإصلاح بيننا، مثل جمال الدين الأفغانى و محمد عبده و قاسم أمين و على عبد الرازق و سلامة موسي و طه حسين ،،،”
“مجتمعنا هذا الذي يتشدق كل التشدق بالفضيلة و الأخلاق, قد تراضي علي قدر عظيم من النفاق; فهو يسكت عن عدد الرذائل الشنعاء التي تتستر وراء النفاق المنتشر و تضرب في جنبات بلداننا العربية فتجعلها مضرب الأمثال في العالم كله في حضيض الدعارة و البهيمية و الشذوذ. لذلك سيؤلمه أشد الألم; أن يقوم من مفكريه من يكشفون عنه قناع النفاق و يصرون علي تشريح آثامه, و سيرفض أن يسلم بأنهم محقون في نقدهم, و سيصب عليهم جام غضبه متهماً إياهم بأنهم هم الفاسدون الباغون للفساد …”
“جميع الحكومات الرجعية التى لا تزال تُسيطر على أقطار كثيرة من الشرق و الغرب إنما تستند أساساً إلى سلطة الرجعيين من رجال الدين، هؤلاء الذين لا يزالون يعقدون مع قوى الإقطاع و الرأسمالية و التخلف حلفاً أثيماً يتقاسم فيه الفريقان ثمرات الظلم و الأثرة و الاستغلال و تفاوت الطبقات و خنق كل حركة هادفة إلى تنوير عقول الناس و إصلاح أحوالهم و تغيير أوضاعهم إلى ما هو أخلق بالعدل و المساواة و الحرية و الكرامة و التنور و التقدم ،،،”
“لننظر الآن إلى ادعاء رجال الدين أن لديهم ف كتبهم الدينية نظاماً يصلح لكل مكان و كل زمان دون أن يحتاج إلى تغيير أو إضافة، نظاماً قد شمل كل كبيرة و صغيرة لا فى مسائل العقيدة وحدها بل فى شؤون الدنيا و حاجات الحياة أيضاً. و هو ادعاء لا يفتؤون ينشرونه و يكررونه، و يستشهدون له بآيات أو أجزاء من آيات يحرفونها عن مواضعها، و يحمّلونها فوق ما يحتمل معناها. كاستشهادهم بقوله تعالى "ما فرطنا فى الكتاب من شئ"، و قوله "تبياناً لكل شئ"، و قوله "و تفصيل كل شئ" و قوله "اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتى".ينسون أن الحديث فى الآية الأولى ليس عن القرآن بل عن اللوح المحفوظ، و يرفضون أن يسلموا بأن المقصود فى الآيات الأخرى أصول العقيدة التى بها يتميز الإسلام عن ثائر الأديان فيصرون على أن المراد فيها أيضاً كل ما تحتاجه حياة البشر من قوانين و معاملات ،،،”
“حكامنا يستخدمون طائفة من الكتاب "الوطنيين" وظيفتهم أن يحذروا الأمة و يحسِّنوا إليها حالتها المزرية، و يحولوا بينها و بين التنبه لحقيقة الأمر؛ فإذا قام من يحاول كشف القناع عن هذا الكذب و التمويه و النفاق حملوا عليه أعنف حملة و رموه بأنه جارح للكرامة الوطنية، مزرٍ بالعزة الوطنية ضار بقضية الوطن، فهو إذن يحالف الأعداء و يخدم أغراضهم ،،،”