“هنالك جزءٌ صغير ساذج في كل «الروايات التي نحبها» . وما اعنيه « بالروايات التي نحبها» هي تلك الروايات التي أميل إليها وأهيم بها ولا أقول عنها كبيرة أو عظيمة، تجنبًا لأستخدام هذه الصفات في نعت الفنون السردية الرفيعة، لأنها تضفي على موصوفاتها سمة إلزامية على شعب القرّاء!، الذي سيصبح يماثل بعضه البعض الآخر، مؤديًا إشارات الاستحسان نفسها، بل وسيكتب الروايات المتشابهة نفسها! « الروايات التي نحبها» تعني من جهة أخرى، الأدب الممتع الذي يناسبنا ويؤدي وظيفته الناجحة معنا. أما «الجزء الساذج»؛ فهو تفصيلٌ حيوي صغير لابد منه، مفتتحٌ سهل وممل يفضي إلى رحبة قصة شائقة، أو مفصل بين ذروتين، لابد أن يكتب بيدٍ باردة، يمهد ويمرّن ويحفظ الأنفاس، مثل سكتة موسيقية تمارسها الآلات الكبيرة، بينما تنشغل الأجراس والمصوّتات الصغيرة بملئ الأسماع. مأزقي مع « الروايات التي لا أُحبها» هو أن «الجزء الساذج» فيها أطول مافيها.. وكل مافيها أحيانًا.”
“مرتضى گزار: يقال أن الروايات تولد من الشكوك والكوابيس وسوء الفهم، هذه الرواية تخطيط قديم مثل كل ماكتبت، لايعادل زمن كتابتها زمن تناسل أصواتها، دعني أخبرك هذه القصة: في سنة ١٩٩٥ كان سوء الوضع الإقتصادي ينهش أقوات الأُسر العراقية حتى ميسورة الحال منها، وكما تعرف فقد كان على الجميع أن يعمل وكان على الجميع ان يصمت، أتذكر نفسي في قيعان الفاو الخاوية، الأرض المثقبة والنخيل التي جعلتها الحرب الإيرانية العراقية أعواد ثقاب منتصبة بعد اشتعال طويل، كان مئات الكسبة يطوفون في أرض المعركة الحرام بحثًاً عن الشظايا النحاسية بغية بيعها، لازلت اتذكر تلك الرحلة اليومية الطويلة وهيام طفل فوق جلدة تراب تشبه سطح القمر! أعود عند الغروب لبيع لقياتي الخطرة من مخلفات الحرب، لكني عدت ذات يوم مع أصبع متهدل أصبح عديم الفائدة فيما بعد، واحدة من صور تلك الأيام كانت مضمرة في ذاكرتي، عائلة من السود فوق ربوة يحصون أغلفة الصواريخ والشظايا التي حصدوها، ثم سمعت بعد فترة بأن ابن العائلة الكبير قد انتحر؛ لقد رافقتني هذه المشاهد طويلاً، وخلافًا لأصبع الطفل في المدرسة المتوسطة الذي أحمله وأتحسس توقفه عن النمو يومياً، كانت ملامح تلك العائلة تنمو..حتى كتبت "مكنسة الجنة"، لم يفكر أحدهم بالانتحار داخل الرواية ورافقتهم سيدة أرمنية تدعى تيغانوش، حتى قصص صحراء الفاو التي كانت غابة غنّاء تزحزحت ثم اندثرت كأنها ساهمت فقط في قدح شرارة الحكاية: وحالت دون ارتكاب جناية ببلوغرافية عراقية مكررة، ومثل هذا حدث أيضاً مع ”السيد أصغر أكبر“.”
“هذا مضحك، نحن في نيسان ٢٠١٣ والرواية العربية مازالت تتنبأ «بالربيع العربي»، تتنبأ به بعد حدوثه، وقبل اليوم صرّح كتّاب عشرات الأعمال الروائية أنهم تنبأوا بوقوع الثورات.من يؤمن بالتغيير على أنه نقطة مؤرخة في قمة المنحنى، ولايؤمن بأن الثورات هي «رواية فجأة» تقبض روح الواقع وهو يخلل أسنانه!، يستطيع أن يصرّح ويكتب ماهو أبشع .حتى اسم الثورة، الآراب سبرنغ، لم يكن من منتجات خيال الكاتب المحلي!.وهذا ليس مهماً، المهم هو أن من لايقرؤون تلك الروايات، علّموا كتّابها: الإيمان بلحظة لاتؤلم، لكن المضروب قد يموت بها.”
“يقتلنا أن تقتلنا الأمور التي نحبها لا تلك التي نكرهها.”
“مايسمونه تجريباً ينبغي أن ينبع من رائحة النص وشخوصه، بل ينبغي أن توفر الحكاية سبباً للابتكارات فيها، وهكذا كانت نصوص التراث العربي، فالشكل التقني لألف ليلة وليلة يرتبط بظروف الرواة دائماً، والطبيعة الشخصية لأبي الفتح الأسكندري في مقامات الهمذاني يمنح سبباً لتكرار ظهورها، والفضاء المتخيل في "رسالة الغفران" أعطى شكلاً منسجماً لتنقلات النص”
“نحن نحب الروايات لأن الأحلام أجمل من الواقع وكل منا يبحث فى صفحات الروايات عن بعد جديد فى العلاقات الانسانية يمثل له الحياة بشكل محتمل .. تجنبًا لجحيم كل هذه التفاصيل”
“لم تكن تملك، في مقابلة عالم التفاهة الذي يحيط بها، إلا سلاحاً واحداً: الكتب التي تستعيرها من مكتبة البلدية وخصوصاً الروايات. كانت تقرأ أكداساً منها، ابتداءً بفيلدنغ وانتهاء بتوماس مان. كانت هذه الروايات تمنحها فرصة للهروب الخيالي، وتقتلعها من حياة لم تكن تعطيها أي شعور بالاكتفاء. لكنها كانت أيضاً تعني لها بصفتها أدوات: كانت تحب أن تتنزه وهي تتأبط كتباً. كانت تميّزها عن الآخرين مثلما كانت العصا تميز المتأنق في القرن الفائت.”