“فنحن عندما نريد أن نرتد بذاكرتنا إلى الطفولة نجدها قد انتهت الى شبه جدار اسود اصم نصطدم به، لا نبصر بعده شيئا.اللهم الا بعض صور مبتوره غامضه، نحار فى معناها ،ومهما يحاول الكبار تفسيرها لنا ،فإن هذا التفسير يبدو أضأل بكثير من الحجم الهائل الذى تبدت لنا فيه.”
“((يقول شاعر اليابان أكاكورا :عرفت الإنسانية شعر الحب عندما عرفت حب الأزهار. إن اليوم الذى قدم فيه أول رجل باقة الزهر الأولى إلى محبوبته هو اليوم الذى ارتفع فيه الإنسان فوق مستوى الحيوان .. لأنه بارتفاعه عن حاجات الطبيعة المادية أصبح إنساناً .. و بإدراكه الفائدة المتسامية لما هو "غير مفيد مادياً" حلق فى سماوات "الفن" .. فى الأفراح و فى الأحزان، الأزهار هى لنا الصديق الأمين، فنحن نحب و نحن نتزوج و هى معنا .. و نحن نمرض فى فراشنا و هى معنا .. بل نحن نموت و هى معنا .. و حتى عندما نرقد فى التراب فهى تأتى لتبكى بقطرات نداها فوق قبورنا .. كيف نستطيع العيش بغيرها؟ أهناك أقسى من تصور العالم "كأرمل" يحيا بدونها؟ .. لكن مهما يكن ذلك مؤللماً فإن من العبث أن نخفى عن أنفسنا الواقع : نحن، برغم دنونا من الأزهار فإننا لم نرتفع كثيراً فوق مستوى الحيوان .. فما من حقيقة راسخة فى كياننا دائماً غير "الجوع" .. ما من شئ مهم عندنا مثل شهواتنا .. إلهنا عظيم. و لكن نبيه فى نظر أغلبنا هو "الذهب" .. من أجله فى سبيل قرابينه ندمر الطبيعة برمتها .. نحن نفخر بأننا أخضعنا "المادة" .. لكننا ننسي أن المادة هى التى أخضعتنا .. حدثينى أيتها الأزهار اللطيفة .. يا دموع النجوم! .. أتعرفين ما ينتظرك غداً من مصير رهيب ؟! )) ...و لم أبحث أنا عن تاريخ القصيدة .. و قد نسيت الآن فى أى كتاب قرأتها؟ .. فإن اتضح أنها كانت قبل قنبلة "هيروشيما" .. فإن الشعر فى اليابان إذن كان قد تنبأ بهذا المصير ...”
“الإيمان فى الرسالات السماوية مقبول، لأ، الأمر كله متعلق بموضوع علوى بعيد عن متناول الفكر، فنحن عندما نؤمن بفكرة الله قد رضينا مختارين أن نلتزم بتعطيل التفكير فى ماهيته و فى حكمه. و اكتفينا بالإيمان، لعلمنا أن فكرنا البشري لا يصلح أداة لإدراك قوانين من هو فوق البشر ...و لكن السلطة الحاكمة أو السلطة الممقلة للعمل فى دولة من الدول، لماذا نعطل أمامها فكرنا و نلتزم برأيها مؤمنين بها الإيمان الذى لا يقبل التمحيص و لا المناقشة و لا المراجعة؟ ... فالالتزام الدائم إذا برأى صادر من سلطة بشرية هو نوع من الإيمان لا يجب أن يفرضه بشر على بشر ...”
“اما نحن فلا نريد ان نكون سوى بشر..لنا جسم مرتو وقلب متقد وعقل متئدأيتها الطبيعة الرحيمة لك أنت وحدك عمر الأبد ::أما نحن فلا نريد غير عمر الندىنهبط من السماء عند الفجر ونصعد الى السماء عند الضحى”
“عند ذاك فهمت أن السعادة التي تلزم لنا نحن الفنانين , لنقوم بالأعمال الكبار ينبغي أن تكون بمقدار !! مقدار ثمين صغير مثل (( الراديوم )) . فإذا انغمرنا في حوض من هذه المادة السحرية فإنها تنقلب في نظرنا ماءً قراحاً لا فعل له و لا أثر .”
“ما الذى روّعه ؟ أهو منظر العظام قى ذاتها، أم فكرة الموت الممثلة فيها، أم المصير الآدمى و قد رآه أمامه رأى العين ؟و لماذا لم يعد منظر الجثث و العظام يؤثر فى مثلى و فى مثل الطبيب ، و حتى فى مثل اللحاد أو الحراس هذا التأثير ؟ يخيل إلىَّ أن الجثث و العظام قد فقدت لدينا ما فيها من رموز. فهى لا تعدو فى نظرنا قطع من الأخشاب و عيدان الحطب و قوالب الطين و الآجر. إنها أشياء تتداولها أيدينا فى عملنا اليومى. لقد انفصل عنها ذلك الرمز الذى هو كل قوتها؟..ما مصير البشرية و ما قيمتها لو ذهب عنها الرمز ... "الرمز" هو فى ذاته كائن لا وجود له. هو لا شئ و هو مع ذلك كل شئ فى حياتنا الآدمية. هذا اللا شئ الذى نشيد عليه حياتنا هو كل ما نملك من سمو نختال به و نمتاز على غيرنا من المخلوقات.”
“قالت العصا :- - يحدث أن ينطلق خيالى أحياناً متسائلاً :-" كيف يقضى الناس يومهم الأول فى جنة الخلد؟ .. "أغلب ظنى أن فقراء الدنيا سيرتمون على المائدة الشهية و الفاكهة الجنية , يأكلون منها أكلاً يزعج الحراس من الملائكة , فيبادرون إليهم منبهين مذكرين :-مهلاً .. مهلاً .. مخلدون فيها .. أنتم مخلدون ! .. ولكن فقراء الدنيا لا يسمعون .. أو لا يريدون أن يصدقوا ما يقال .. فهم يملأون البطون مما لذ و طاب , كأنما الموائد ستُرفَع عنهم بعد حين .. و الفاكهة ستزول بعد قليل .. مثلما كان يحدث لهم فى دار الفناء فيما يسمى : " مطاعم الشعب " ! .. و كأنى بحراس الجنة من الملائكة و قد أخذتهم الشفقة بهؤلاء الناس , أقبلوا عليهم يقصونهم بلطف عن الموائد , ناصحين :- - رفقاً ببطونكم .. إنكم واجدون ها هنا دائماً كل هذا الطعام ! ..فترفع الأصوات :- " دائماً .. وإذا جعنا يوماً ؟؟ ..- أنتم هنا لن تجوعوا أبداً .. أبداً ..- ومن يضمن لنا ذلك ..و كانوا كذلك يقولون لنا فى الدنيا . كان هناك رجال يقولون لنا :- " لن تجوعوا فى ظل مبادئنا ! " .. فتبعناهم فى شطر من الدنيا فوجدنا الدولة تجوع من أجل الفرد .. و تبعناهم فى الشطر الآخر فوجدنا الفرد يجوع من أجل الدولة ! ..- جنة الخلد هى المكان الذى لا يدخله الجوع ..- سنرى ..قالها القوم و كل منهم يلتهم تفاحته الرابعة , وكأنها يسر لصاحبه "- " تفاحة فى اليد , ولا عشر فى الغد ! " .فهمس أحد الحراس من الملائكة لزميله :-- إن الخوف من الجوع لم يمت فيهم بعد , لعل الجوع هو أول ما يولد على الأرض و آخر ما يموت ..”