“(من تشبه بقوم فهو منهم).و غني عن البيان أن الإسلام إنما يهدف - من وراء هذا التحذير عن التشبيه بالآخرين - إلى انتزاع كل أثر من آثار الهزيمة الداخلية في النفوس، حتى تظل الأمة قادرة على الابتكار، مؤمنة بالطريق الذاتي الذي تسلكه عن طواعية و اختيار، تعالج مشكلاتها جميعاً في ضوء منهاجها الخاص، و لقد قال الله في كتابه: (لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجاً و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، و لكن ليبلوكم فيما آتاكم)، و نعى الرسول الكريم صلوات الله عليه على الأمة المقلدة المنهارة الشعور تطلّعها إلى المحاكاة (لا تكونوا إمّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا و إن أساؤوا ظلمنا، و لكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، و إن أساؤوا ألا تظلموا)ّّ”

صبحي الصالح

Explore This Quote Further

Quote by صبحي الصالح: “(من تشبه بقوم فهو منهم).و غني عن البيان أن الإسل… - Image 1

Similar quotes

“و تعلّم المسلمون من هذا أن تقرير ما قُرر أو تبديل ما بُدّل إنما يتبع في الإسلام منهجاً مزدوجاً من تشريع و توجيه: فلو اقتصر الأمر على التشريع وحده لما ظهرت الحكمة في تقرير أشياء و تغيير أشياء، و لو اقتصر الأمر على التوجيه وحده لعاشت الأمة الإسلامية بقلوبها و نياتها عالةً على الشرائع الماضية، و التقاليد الخالية، و لكن الإسلام جمع و نسّق، و اختار و هذب، و جعل شريعة السماء تلتقي مع مدارك الإنسان (فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، و لكن أكثر الناس لا يعلمون.)”


“على أن المشهور، في الإجماع: أنه حجة قطعية، بحيث يكفَّر مخالفُه أو يُضلّل أو يُبدَّع، و إن كان إطلاق القول بهذا الأسلوب المتشدد يخالف روح الإسلام السمح في معالجة القضايا بوجه عام، و إلى ذلك انتبه إمام الحرمين حين قال: (فشا في لسان الفقهاء أن خارق الإجماع يكفّر، و هو باطل قطعاً، فإن منكر أصل الإجماع لا يكفّر، و القول بالتكفير و التبرّي ليس بالهيّن). و نحن نأخذ بهذا الرأي السديد، و إن كنا لا نغُضّ، و لا نريد قطّ أن نغضّ من قيمة الإجماع بين مصادر التشريع في الإسلام.و لقد صدق الشافعية حين لاحظوا بوجه عام أن الإجماع صيغة تعليمية حية تقدمية، و لقد أحسن المصلحون المعاصرون صنعاً حين نظروا هذه النظرة نفسها إلى الإجماع. و لئن كان المجمعون - في أي عصر من العصور - يمثلّلون شعْب المؤمنين، فإنهم - من غير أن ينطلقوا من كونهم هيئةً كهنوتية منظمة - إنما يمثلون شرع الله، و لا حاجة بهم و لا لغيرهم، و لا يحقّ لهم و لا لغيرهم - أن يمثّلوا الله ذاته، تعالى الله و تقدّس عن كل تمثيل!”


“لقد ذهب إلى غير رجعة ذلك العهد الذي كنا فيه نصنف المراتب الاجتماعية على أساس السن و العمر. و مضى غير مأسوف عليه مفهوم الطاعة للآباء و الأولياء إذا كان يرادف مفهوم الانقياد الأعمى. إنه على كل حال مفهوم يغاير صور التصور الإسلامي للقيم و الأشخاص و الأشياء: فالقرآن الذي يقول للولد في حق أبويه: (ووصينا الإنسان بوالديه) أو يقول: ( و اخفض لهما جناح الدلّ من الرحمة، و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) هو الذي يقول بصراحة و وضوح: (و إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، و صاحبهما في الدنيا معروفا)، و لقد أطلق الرسول الكريم صلوات الله عليه مبداً عاماً في ذلك حين قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.)إنه ليس من طبيعة التصور الإسلامي لارتباط الفرد بالمجتمع أن يسلب الآباء أو الأولياء – باسم الدين – كل مقومات الشباب الذاتية لا العرضية، الأصلية لا الهامشية، المستقلة لا التقليدية. و إنه ليس من طبيعة هذا التصور الإسلامي أن تتحول طاعة الوالدين سيطرة من الأم على ولدها لأنها أرضعته طفلاً، أو سيطرة من الأب على ابنه لأنه أنفق عليه و علمه و رباه، فلا شيء يقنع الشاب بمثل هذه الطاعة العمياء التي تحرمه من ثمرات استقلاله الفكري و رغبته في الإنتاج و العطاء. و حتى في الحديث الشريف، عندما جعل الرسول الكريم أحد (السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه) شاباً نشأ في طاعة الله، لم يكن المراد بالطاعة إلا مفهومها العام القائم على العمل الإيجابي البنّاء، و ليس على مجرد أداء الشعائر، و القلب موات، و الضمير خراب!و إذا صحّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (خاطبوا أولادكم على قدر عقولهم، فإنهم ولدوا لزمان غير زمانكم)، فإن أبسط ما يستنتج من هذا القول الرائع الحكيم أن علينا أن نتفهم نفسيات الشباب، و أن نتعرف إلى كل ما يمرون به، و لا بد أن يمروا به، و أن نعنى بإيجاد الوسائل الكفيلة (بتشغيل) طاقاتهم غاضين النظر عن بعض ما لا خطر وراءه من حب الظهور بمظاهر فريدة، في مقابل إغرائهم بتعزيز القيم الذاتية، و الفكرية، و الفنية، و الروحية، بأساليب موحية غير مباشرة تجعلهم على يقين أنهم بأنفسهم ينقذون أنفسهم من التيه و الركام و الضياع.”


“و ذلك يوضح ما خص به الجنس الآدمي من المكانة العظمى، و ما كلّف حمله في الأرض من التبعات الكبرى، بعد أن سلَم زماماها، و أطلقت يده فيها، يبنيها و يحسن البناء، و يجمّلها و يزيدها زينة و بهاء. و من هنا كان الأجدر في نهاية المطاف بالاستخلاف في هذا الملكوت، و الأخلق - مهما يستبدّ به الغرور - بإبراز مشيئة الله، في تطوير الكون و تنمية الحياة... فإن للإنسان من قواه و طاقاته، و مواهبه و ملكاته، لما يسعفه بتحقيق مناه، ما دام وحي الله يسدّد خطاهو إن عرض الأسماء على الملائكة، و تعجيزهم بالسؤال عنها، ثم اعترافهم بأنهم لا يعلمون إلا ما يلهمهم الله به، يؤكد أن أرواح الكون و قواه لا تتعدى حدود الله، و لا تجاوز الوظائف و الأعمال التي من أجلها خلقها الله، و إن هتاف الله بآدم لإنباء الملائكة بتلك الأسماء إيذان بامتياز الإنسان على خلق الله، و إعلان لقدرته على التفوق في كل تجربة و كل امتحان.”


“هذا الكائن البشري الممتاز هو محور هذا الكون، و إن مجرد شعوره بضخامة دوره في الخلافة عن الله ليهيئه لعمليات التغيير و التطوير، و يمده بدوافع الحركة و التأثير. و في هذا المجال يحس الإنسان بكرامته تتمثل في تسخيره كل ما في الكون لمصلحته و مصلحة إخوته البشر، على حد التعبير القرآني الذي يقول: (و سخّر لكم ما في السماوات و ما في الأرض جميعاً).”


“و مهما يكن من شيء، فإنه لا يجوز علاج الرفض بالفرض، فالشباب حين يسرفون في طلب الحرية و لو بالفوضى، و في انتزاع الاستقلال و لو بالتمرد على كل نظام، إنما يعبرون عن رغبتهم في رفض ما يفرض عليهم، و كلما أكثرنا من التوجيهات و التعليمات التي نحاول أن نفرضها عليهم فرضاً بأسلوب التلفين المباشر، أو الوعظ المباشر، أكثروا من الثورات النفسانية اللاواعية و اللامسؤولة، و من صور الرفض و التمرد و العقوق.”