“حين ترتكب المنكر وأنت شاعر بأنه منكر فستقتصد في ارتكابه فلا تلجأ إليه إلا تحت ضغط قاهر , وستقف في ارتكابه عند الحد الأدنى الذي ترى أنه لا يطيح بسمعتك كلها أمام الناس , وقد تحاول الرجوع عنه في يوم من الأيام , أما حين يكتسب المنكر في حسك الشرعية فلماذا تقتصد في ارتكابه , ولماذا تقف عند حد من الحدود ؟!إنها هي ذاتها حكمة وقوع اللعنة على الذين لا يتناهون عن منكر فعلوه . . لأنهم لا يقفون في ارتكاب المنكر عند حد معلوم.”
“أبرز حال الأمّارين بالمعروف النهائين عن المنكر في أجل مظهر يمكن أن تظهر فيه حال أمة، فقال (كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، فقدم ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، في هذه الآية، مع أن الإيمان هو الأصل الذي تقوم عليه أعمال البر، والدوحة التي تتفرع عنها أفنان الخير، تشريفا لتلك الفريضة، وإعلاء لمنزلتها بين الفرائض، بل تنبيها على أنها حفاظ الإيمان وملاك أمره، ثم شد بالإنكار على قوم أغفلوها، وأهل دين أهملوها، فقال( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) فقذف عليهم اللعنة وهي أشد ما عنون الله به على مقته وغضبه”
“أبرز القرآن حال الأمّارين بالمعروف النهائين عن المنكر في أجل مظهر يمكن أن تظهر فيه حال أمة، فقال (كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، فقدم ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، في هذه الآية، مع أن الإيمان هو الأصل الذي تقوم عليه أعمال البر، والدوحة التي تتفرع عنها أفنان الخير، تشريفا لتلك الفريضة، وإعلاء لمنزلتها بين الفرائض، بل تنبيها على أنها حفاظ الإيمان وملاك أمره، ثم شد بالإنكار على قوم أغفلوها، وأهل دين أهملوها، فقال( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) فقذف عليهم اللعنة وهي أشد ما عنون الله به على مقته وغضبه”
“إن هذه الأجيال الأولى -وخاصة الجيل الأول الفريد- قد لا تتكرر مرة أخرى في واقع الأرض. ولكنها تبقى مع ذلك رصيدا واقعيا لهذه الأمة في جميع أجيالها، يحفزها على محاولة العودة إلى التطبيق المثالي للإسلام. وهذه المحاولة ذاتها عمل إيجابي مثمر، ولو لم يصل إلى كل النتيجة المطلوبة.تصور إنسانا عند سفح الجبل، يعلم يقينا أن هناك من صعد هذا الجبل إلى قمته، فهو يحاول أن يصعد مثله، وقد يصل إلى منتصفه وقد يصل إلى ربعه، وقد يفلس جهده بعد أن يرقى بضع درجات..وتصور إنسانا آخر واقفا عند السفح يتطلع إلى القمة وهو يقول في نفسه: إن هذا مستحيل! مستحيل أن يفكر إنسان في صعود هذا الجبل الشاهق، فلنكف عن التطلع، ولنرض بالبقاء في السفح!أيهما انفع للبشرية؟ وأيهما أفضل في ذات نفسه؟إنه دور ضخم في عالم الواقع..ولهذا نحتفي حفاوة بالغة بذلك الجيل الفريد، وبتلك القرون المفضلة، لأنها المدد الحي الذي يدفع الأجيال كلها إلى محاولة الصعود، بدلا من أن تنتكس إلى الأسفل، وتخلد إلى الأرض عند السفح!”
“إن جَوْعة الجسد تلح على صاحبها ليسدّها أولا، هذا مُسلّم به، ولكنها بعد أن تهدأ تتحرك في الكائن الإنساني جوعة أخرى لا يسدها الطعام ولا يرويها الشراب ولا يكفيها الكساء ولا تسكنها كل لذائذ الجسم وشهواته. إنها جوعة من نوع آخر لا بد لها من هدف إنساني أكبر من الملذات، ومن صلة بالكون أشمل من البيئة، ومن عقيدة في قوة أكبر من البشرية، ومن مستقبل دائم النمو لا يقف عند حد محدود. فإذا اطّلعَت الإنسانية على نظام يحمل مثل هذه الفكرة، ويتضمن مثل هذه العقيدة، وفي الوقت ذاته يضمن لها عدالة اجتماعية دائمة متجددة لا تقف عند تسويد طبقة على طبقة ولا عند حدود الاكتفاء المادي، إنما تدع الحياة متجددة أبدا مترقية أبدا، متصلة بعد كل هذا بالسماء، إذا اطلعت الإنسانية على نظام كهذا فذلك حلمها الدائم الذي لا يدركه الفساد. وهذا ما يجعلنا نعتقد بقوة أن المستقبل في أرض الإسلام للإسلام، وأن المستقبل في الأرض كلها كذلك للإسلام.”
“ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها. إن ذلك على الله يسير. لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور.وقيمة هذه الحقيقة التي لا يتصور العقل غيرها حين يتصور حقيقة الوجود الكبرى. قيمتها في النفس البشرية أن تسكب فيها السكون والطمأنينة عند استقبال الأحداث خيرها وشرها. فلا تجزع الجزع الذي تطير به شعاعًا وتذهب معه حسرات عند الضراء. ولا تفرح الفرح الذي تستطار به وتفقد الاتزان عند السراء: (لكي لا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم).. فاتساع أفق النظر، والتعامل مع الوجود الكبير، وتصور الأزل والأبد، ورؤية الأحداث في مواضعها المقدرة في علم الله، الثابتة في تصميم هذا الكون.. كل أولئك يجعل النفس أفسح وأكبر وأكثر ثباتًا ورزانة في مواجهة الأحداث العابرة. حين تتكشف للوجود الإنساني وهي مارة به في حركة الوجود الكوني. إن الإنسان يجزع ويستطار وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود. ويتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير. فأما حين يستقر في تصوره وشعوره أنه هو والأحداث التي تمر به، وتمر بغيره، والأرض كلها.. ذرات في جسم كبير هو هذا الوجود.. وأن هذه الذرات كائنة في موضعها في التصميم الكامل الدقيق. لازم بعضها لبعض. وأن ذلك كله مقدر مرسوم معلوم في علم الله المكنون.. حين يستقر هذا في تصوره وشعوره، فإنه يحس بالراحة والطمأنينة لمواقع القدر كلها على السواء. فلا يأسى على فائت أسى يضعضعه ويزلزله، ولا يفرح بحاصل فرحا يستخفه ويذهله. ولكن يمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى. رضى العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون ! وهذه درجة قد لا يستطيعها إلا القليلون. فأما سائر المؤمنين فالمطلوب منهم ألا يخرجهم الألم للضراء، ولا الفرح بالسراء عن دائرة التوجه إلى الله، وذكره بهذه وبتلك، والاعتدال في الفرح والحزن. قال عكرمة - رضي الله عنه - "ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا".. وهذا هو اعتدال الإسلام الميسر للأسوياء..”
“لقد شرعت العقوبات لضمان تنفيذ الحد الأدنى من التشريع الذي لا يقوم المجتمع بدونه. ولكن ذلك لم يكن كل هدف الإسلام. فهو يكفي لحفظ المجتمع من السقوط، نعم. ولكنه لا يكفي لترقية المجتمع وحثه دائمًا إلى الأمام. فهذا أمر تقوم به الرغبة المنبعثة من داخل الضمير. الرغبة النبيلة المتطوعة التي لا تبحث عن حدود القانون لتقف عندها ملقية أثقالها، نافضة يديها. وإنما تبحث عن الآفاق العليا تحاول الصعود إليها. وتجد لذاتها في ذلك الصعود. وهذا لا يجيء بالتشريع. وإنما يجيء بالتوجيه. توجيه القلب إلى الله، ووصله به والتطلع إلى رضاه.وهما أمران متلازمان.. الحد الأدنى المفروض، والحد الأعلى المطلوب. ومن ثم تلازم التشريع والتوجيه في القرآن، وامتزجا فهما شيء واحد عسير التفريق!”