“والقول بان الانسان لا يجب ان يخضع لاي شيء سوى نفسه لا ينكر كرامة المثل. بل العكس, انه اقوى تاكيد للمثل. وعلى اية حال يضطرنا هذا الى تحليل نقدي للمثال. بصفة عامة الانسان معرض اليوم الى افتراض ان المثال هو اي هدف لا تضمن تحقيقه اي كسب مادي وهو شيء يكون الشخص مستعدا من اجله للتضحية بكل الغايات الانانية. وهذا مفهوم سيكولوجي محض للمثال ولهذا فهو مفهوم نسبي. من وجهة النظر الذاتية هذه يكون للفاشستي الذي ينساق برغبة اخضاع نفسه لقوة اعلى وفي الوقت نفسه يتسير بالقوة على الآخرين, مثال شأنه في هذا شأن الانسان الذي يناضل من اجل المساواة والحرية الانسانيتين. وعلى هذا الاساس لا يمكن اطلاقا حل مشكلة المثل.”
“ان اطروحة هذا الكتاب هي ان الحرية لها معنيان بالنسبة للانسان الحديث: لقد تحرر من السلطات التقليدية واصبح "فردا", لكنه في الوقت نفسه اصبح منعزلا عاجزا وأداة للاغراض القائمة خارجه وانه اغترب عن نفسه وعن الآخرين. زيادة على ذلك, ان هذه الحالة تقوّض نفسه وتضعفه وترعبه, وتجعله مستعدا للخضوع لانواع جديدة من القيد. اما الحرية الايجابية من جهة اخرى فهي متطابقة مع التحقق الكامل لامكانيات الفرد مع قدرته على ان يحيا بشكل ايجابي وتلقائي. لقد وصلت الحرية الى نقطة حرجة عندها -وهي مدفوعة بمنطق ديناميتها- تهدد بالتغير الى نقيضها. ان مستقبل الديمقراطية انما يتوقف على تحقق النزعة الفردية التي ظلت الهدف الايديولوجي للفكر الحديث منذ عصر النهضة. ان الازمة الحضارية والسياسية في ايامنا هذه لا ترجع الى ان هناك افراطا في النزعة الفردية بل ترجع الى ان ما نعتقد انه نزعة فردية قد اصبح قوقعة فارغة.ان انتصار الحرية ليس ممكنا الا اذا تطورت الديمقراطية الى مجتمع فيه يكون نمو وسعادة الفرد هما هدف وغرض الحضارة, وفيه لا تحتاج الحياة الى تبرير للنجاح او اي شيء آخر, وفيه لا يكون الفرد تابعا ومُستغلا من جانب اية قوة خارجه سواء كانت الدولة او الجهاز الاقتصادي, واخيرا مجتمع لا تكون فيه المثل والضمير التبطّن للمطالب الخارجية, بل تكون حقا مثله وضميره "هو" وتعبر عن الاهداف النابعة من تفردية نفسه.وهذه الاهداف لم تتحقق تماما في اي فترة سابقة من التاريخ الحديث, وهي يجب ان تظل الى حد كبير الاهداف الايديولوجية, وذلك لان الاساس المادي لتطور النزعة الفردية الاصيلة ناقص. لقد خلقت الرأسمالية هذه المقدمة, وحلّت مشكلة الانتاج -من ناحية المبدأ على الأقل- ونحن نستطيع ان نتخيل مستقبلا للوفرة لا يعود فيه النضال من اجل الامتيازات الاقتصادية مدفوعا بالندرة الاقتصادية. ان المشكلة المواجهين بها اليوم هي مشكلة تنظيم القوى الاجتماعية والاقتصادية حتى يمكن للانسان -كعضو في مجتمع منظم- ان يصبح سيد تلك القوى ويكف عن ان يكون عبدا لها.”
“بالتطابق مع توقعات الآخرين, بالا يكون الانسان مختلفا, نخرس هذه الشكوك عن ذاتية الانسان ويتم الحصول على امان معين. وعلى اية حال يكون قد دفع الثمن غاليا. ان التنازل عن التلقائية والفردية يفضي الى انجراف الحياة ومن الناحية السيكولوجية ان الانسان الآلي بينما هو حي بيولوجيا هو ميت انفعاليا وذهنيا. بينما هو يقوم بحركات الحياة, فان الحياة تنساب من بين يديه كالرمال. ان الانسان الحديث وراء جبهة من الرضاء والتفاؤل غير سعيد في الاعماق, كحقيقة واقعة, انه على شفا اليأس. انه يتمسك يائسا بفكرة التفردية, انه يريد ان يكون "مختلفا" وليست لديه توصية اكثر من قوله:" ان الامر مختلف". ان الانسان الحديث تواق للحياة, ولكن لما كان انسانا آليا فانه لا يستطيع ان يعيش الحياة بمعنى النشاط التلقائي الذي يتخذه ويحله محل اي نوع من الاضطرابات او الاثارة: اثارة السكر والرياضة والمعايشة العنيفة لاضطرابات الاشخاص الخياليين على شاشة السينما.”
“هذا الفقدان للذاتية لا يزال يزيد من طابع الارغام على التطابق, انه يعني ان الانسان لا يستطيع ان يتأكد من نفسه الا اذا عاش حسبما يتوقع الآخرون. واذا لم نعش حسب هذه الصورة فاننا لا نخاطر فحسب بالاستهجان والعزلة المتزايدة, بل نخاطر بفقد ذاتية شخصيتنا التي تعني تعرض سلامتنا العقلية للخطر.”
“لا بد من التخلي عن الاعتقاد السائد الذي يرجع الطائفية الى التمايز الثقافي او الديني الموجود في مجتمع من المجتمعات. فهذا التمايز الذي يوجد في كل البلدان يمكن ان يكون اساسا للغنى الثقافي والانصهار كما يمكن ان يكون وسيللة للتفتت. واذا بقينا على هذا الاعتقاد السائد اضطررنا الى البحث عن حلول للمشكلة على المستوى الثقافي وحده وهنا لن تجد اي مخرج على الاطلاق.فالطائفة الاكبر تميل الى الاعتقاد ان تصفية التميزات الثقافية هو شرط الوصول الى اجماع يخلق الوحدة والانصهار. وتكمن وراء ذلك فكرة ان فقدان الاجماع السياسي مصدره غياب اجماع فكري او ديني بينما العكس تماما هو الصحيح. والبعض يمكن ان يفكر ان هذا وحده يمكن ان يساعدنا على ان ننتقل من الصراع الطائفي الى الصراع الطبقي ويفتح من ثم طريق التغيير والتحول والتقدم. اما الطوائف الصغرى فتميل ايضا, من نفس المنطلق الى تضخيم مشكلة التمايز الثقافي وتأكيدها لتحويلها الى مشكلة هوية شبه قومية مصغرة واداة سياسية وتعويض عن السلطة الفقودة كفردوس. وهذا يعكس في الحقيقة ميل الصراع الاجتماعي في مثل هذا المجتمع بشكل عام الى ان يحافظ على شكله كصراع عصبوي ودائري.”
“الإستمتاع بالفن ، لا يمكن أن يكون وسيلة تعذيبو لا يمكن ان يشقي الإنسان نفسه في سبيل أن يقول : إني قرأتو لهذا فأنا لا استطيع ان افهم الذين يقولون : إن الذي يريد ان يتذوق شعرنا عليه أن يتصارع مع القصيدةو يقضي ساعات و يبذل مجهوداً فكرياً لكي يفهم معاني القصيدةأعتقد ان هذا منطق غريب جداًلأن الناس عموماً لا يقرأون الأدب إلا للمتعة الفكريةفإذا انعدم التفاعل ، انعدمت المتعة الفكريةو من السخف ان يعذب الانسان نفسه بقراءة شعر سخيف أو رواية ركيكة !”