“لازلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبى وهو جالس فى الصالة وحده ليلا، فى ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشئ على الإطلاق، لا قراءة ولا كتابة، ولا الاستماع إلى راديو، وقد رجعت أنا لتوى من مشاهدة فيلم سينمائى مع بعض الأصدقاء. أحيى أبى فيرد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى باب حجرتى وفى نيتى أن أشرع فورا فى ال...نوم، بينما هو يحاول استبقائى بأى عذر هروبا من وحدته، وشوقا إلى الحديث فى أى موضوع. يسألنى أين كنت فأجيبه، وعمن كان معى فأخبره، و عن اسم الفيلم فأذكره، كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل فى عكس هذا بالضبط. فإذا طلب منى أن أحكى له موضوع الفيلم شعرت بضيق، و كأنه يطلب منى القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتى ثمين جدا لا يسمح بأن أعطى أبى بضع دقائق.”
“لا زلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبي وهو جالس فى الصالة وحده ليلا، فى ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشيء على الإطلاق، لا قراءة ولا كتابة، ولا الاستماع إلى راديو، وقد رجعت أنا لتوي من مشاهدة فيلم سينمائى مع بعض الأصدقاء. أحيي أبى فيرد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى باب حجرتى وفى نيتى أن أشرع فورا فى النوم، بينما هو يحاول استبقائي بأي عذر هروبا من وحدته، وشوقا إلى الحديث فى أى موضوع. يسألنى أين كنت فأجيبه، وعمن كان معى فأخبره، و عن اسم الفيلم فأذكره، كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل فى عكس هذا بالضبط. فإذا طلب منى أن أحكى له موضوع الفيلم شعرت بضيق، و كأنه يطلب منى القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتى ثمين جدا لا يسمح بأن أعطى أبى بضع دقائق.لا أستطيع حتى الآن أن أفهم هذا التبرم الذى كثيرا ما يشعر به شاب صغير إزاء أبيه أو أمه، مهما بلغت حاجتهما إليه، بينما يبدى منتهى التسامح وسعة الصدر مع زميل أو صديق له فى مثل سنه مهما كانت سخافته وقلة شأنه. هل هو الخوف المستطير من فقدان الحرية والاستقلال، وتصور أى تعليق أو طلب يصدر من أبيه أو أمه وكأنه محاوله للتدخل فى شئونه الخاصة أو تقييد لحريته؟ لقد لاحظت أحيانا مثل هذا التبرم من أولادى أنا عندما أكون فى موقف مثل موقف أبى الذى وصفته حالا، وإن كنت أحاول أن أتجنب هذا الموقف بقدر الإمكان لما أتذكره من شعورى بالتبرم و التأفف من مطالب أبى. ولكنى كنت أقول لنفسى إذا إضطررت إلى ذلك “إنى لا أرغب فى أكثر من الاطمئنان على ابنى هذا، أو فى أن أعبر له عن اهتمامى بأحواله ومشاعره، فلماذا يعتبر هذا السلوك الذى لا باعث له إلا الحب، و كأنه اعتداء على حريته واستقلاله؟”
“أنت تقيمين بينى و بينك الحواجز ، أنت لا تريدين أن تنطلقى ، و أن تتركى نفسك على سجيتها ، لأنك تخشين أن تتعلقى بى ، أن تفنى كيانك فى كيانى ، أن تستمدى ثقتك فى نفسك وفى الحياة منى ، ثم تكتشفى كيانك مدلوقا -كالقهوة- فى غرفتى .و أنا أحبك و أريد منك أن تحبينى ، و لكنى لا أريد منك أن تفنى كيانك فى كيانى ولا فى كيان أى انسان . ولا أريد لك أن تستمدى ثقتك فى نفسك وفى الحياة منى أو من أى انسان .اريد لك كيانك الخاص المستقل ، والثقة التى تنبعث من النفس لا من الآخرين .و إذ ذاك – عندما يتحقق لك هذا- لن يستطيع أحد أن يحطمك لا أنا ولا أى مخلوق .إذ ذاك فقط ، تستطيعين أن تلطمى من يلطمك وتستأنفى المسير . و إذ ذاك فقط تستطيعين أن تربطى كيانك بكيان الآخرين ، فيزدهر كيانك وينمو ويتجدد ، و إذ ذاك فقط تحققين السعادة فأنت تعيسة يا حبيبتى ، وقد حاولت ولم تستطيعى ، أن تخفى عنى تعاستك…”
“انفلبت الآية الديمقراطية رأساً على عقب. فالشعب "يكلف" أحد المواطنين بأن يكون رئيساً له، ثقة فى شخصه، و من دون أن يشترط عليه أى شرط. و هو يتكرم بقبول هذا التكليف من دون أن يتعهد للشعب بأى شئ، ليمارس بعد ذلك تلك السلطات الهائلة التى يمنحها له الدستور فى 15% من مواده، فيسود و يحكم إلى الأبد بلا قيد و لا شرط و لا تعهد و لا مُسائلة. و لا يصبح من حق أحدنا نتيجة لذلك كله أن يقول له "ثلث الثلاثة كام".”
“"يقولها الاثنان لكل صاحب معتقد من أبناء هذا الوطن أيا كان معتقده « يا أخى فى الوطن ليس معنى أننى أطالب بحريتك العقيدية وبحقك الكامل فى المواطنة أن تطلب منى أن أعتقد أن عقيدتك على حق، وألا أعتقد أنها على خطأ وألا أعبر عن رأيى هذا بشكل حضارى هادئ بعيدا عن التحريض والغوغائية فى مكان عبادتى أو لأبنائى أو فى دراسة علمية أو فى عمل فنى وأدبى مثلما يحدث فى أى بلد متقدم به أديان متعددة، دون أن يجور ذلك على حق كل مواطن فى المواطنة، بل ينبغى أن يدفعك ذلك إلى أن تتعمق فى فهم دينك ودراسته"، ”
“أنا أحس بشعورى الداخلى أن الإنسان ليس وحده فى هذا الكون ... و هذا هو الإيمان. و ليس من حق أحد أن يطلب إلى الإيمان تعليلاً أو دليلاً. فإما أن نشعر أو لا نشعر، و ليس للعقل هنا أن يتدخل ليثبت شيئاً ... و إن أولئك الذين يلجأون إلى العقل و منطقه ليثبت لهم الإيمان، إنما يسئون إلى الإيمان نفسه. فالإيمان لا برهان عليه من خارجه. إنى أومن بأنى لست وحدى ... لأنى أشعر بذلك ... و لم أفقد إيمانى، لأنى رجل معتدل ...”