“وهكذا ايضا تم الاغتراب الذاتي لدى الجماعة الدينية والدهرية معا. فقد ظهرت الدولة الدهرية في نظر المسلمين وسيلة لفرض سلطة متهاونة مع الاجنبي ومتعاملة معه. بينما ظهر استمرار اشتغال السياسة الاسلامية بالدين في نظر الدهريين كرفض للاتفاق القومي وكتهديد للدولة القومية الحديثة.”
“فمع الزمن وتطور البنيات الحديثة للجماعات الاسلامية برزت اكثر فاكثر الخصائص القومية في الاقاليم الاسلامية واصبحت عاملا اساسيا مكونا للشخصية وللوعي المحلي. كما زاد تأثير الدهرية نفوذا لدى الطبقات العليا والوسطى مع تناقص فاعلية الاعتقادات الدينية وتأثيرها على مجرى الحياة اليومية والانتاج. ونتجت عن ذلك هوة بين الانتماء الديني والانتماء الجنسي. وهناك الكثير من المسلمين الذين لا يتعرفون على انفسهم في الثقافة الاسلامية اليوم الا بشكل سطحي.وهذا نتيجة توسع انتشار الثقافة الغربية الحديثة وبسبب السياسة الثقافية التي بدأت تمارسها الدولة الاسلامية والعربية منذ القرن التاسع عشر.”
“جاء فصل الدين عن الدولة في البلاد الاسلامية اذن على يدي الدولة ذاتها قبل ان تتبناه النخب المحلية الحديثة وتدفع بجوانبه الفلسفية. وظهر لهذا السبب ايضا كاستمرار وتطوير لسياسة فصل الجمهور المتزايد عن السلطة وتحرير يد الدولة من سلطة الدين, آخر مرجع شعبي ووسيلة الضغط الوحيد بيد المعدمين من السلطة والعلم.”
“منذ اواخر القرن التاسع عشر اصبح تأكيد الذات لدى الطوائف غير المسلمة يأخذ شكل هجوم على الذاتية السياسية الاسلامية المؤكدة بقوة في الدولة. وظهرت الدولة العلمانية كتنازل متبادل عن الذاتية يقوم على الغاء الطابع الديني للدولة الاسلامية, وليس كبناء لذاتية جديدة عصرية وقومية تتجاوز الدين.”
“الجمال يتعارض مع الطهر في نظر الكثيرين..”
“ووحدة التشكيلة الاجتماعية التقليدية الموروثة بقيت عندنا في الواقع هشة نسبيا خاصة عند التماس بمتطلبات المجتمع العصري القائم على علاقة تنكر تدخل الدين في السياسة وتقيم الوحدة القومية على اسس وضعية منافية في جوهرها لوحدة الاعتقاد. بينما كانت الوحدة التقليدية الموروثة مبنية اساسا على الانتماء الجماعي الى مثال اعلى واحد ومشترك هو الذي يحدد وسائل واساليب الكلام والعمل. وعلى الذين لا يتفقون في اعتقادهم مع هذا المثال او لا يوافقون عليه ان يخرجوا من الجماعة او ان يخضعوا لقوانينها, اي لقانون الاغلبية. فالاغلبية هنا ليست عددية سياسية وانما اغلبية دينية ثابتة وغير قابلة للتغيير. بينما الاغلبية السياسية في الانظمة الحديثة ممكنة التغيير طالما انها لا تقوم على ثبات الاعتقاد. اي باختصاد ما كان يمكن للاقلية "الصابئة" ان تصبح اغلبية في الدولة الاسلامية. بينما يمكن للاشتراكية ان تصبح اغلبية سياسية في النظام الليبرالي الحديث.”