“هكذا أفهم السياسة، بمنطق فطرة الطير والسمك والأيائل والفقمات والفراشات والبشر الأسوياء. وهكذا أفهم الوطن. فلا سامح الله من عكَّروا علينا صفاءات هذا الوطن الطيب الذى أرهقوه وأرهقونا وأرهقوا بأنانيتهم القصيرة النظر.. أرهقوا، بل أزهقوا، أفضل ما كان فيهم، وفى كل إنسان.. روعة الفطرة! ـ”
“ليس صحيحا أنه لا كرامة لنبي فى وطنه، فما من كرامة حقيقية لنبي أو ولى أو واحد من عوام الناس إلا فى الوطن، هذا إذا نظرنا إلى الكرامة بمعنى العز الحقيقى فى الحب والطمأنينة والود والمراعاة التى يشعر بها الإنسان بين أهله ومعارف عمره وشوارع صباه، مهما كان هؤلاء جميعًا. وفى حالة كاتب وقارئ عربي تُمثّل اللغة المحيط الوجدانى لحياته، فإن الغربة تكون خانقة حقًا، ولم تكن كل جمالات الطبيعة وسوانح الترفيه ومناهل العلم والثقافة بكافية للتعويض عن الاستوحاش للوطن.”
“شعرتُ بقشعريرة وحمدت الله الذي أحمده كثيرا على نعمة الإسلام، فالعودة إلى باطن الأرض هي عودة إلى الرحم الحنون الذي منحنا إياه رب العالمين، فالأرض شريط رحمة حقيقي، منها نشأنا وإليها نعود، لتستمر دورة الأخذ والعطاء، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أرى أن الوطن ليس هو المكان الذي نشأنا فيه ونشأ أحبابنا، فقط، بل هو بشكل أعمق وأوثق المكان الذي لنا في ثَراه أحباب راحلون.”
“الذي أدريه الآن يقيناً، أن من يصعد إلى هذا المرتقى يوماً، لا يعود كما كان من قبل الارتقاء، ويظل يهفو أبداً إلى هذا الارتقاء، لهذا لم أعد أرى في جنون متسلقي قمم الجبال جنوناً، بل هي رغبة مطلقة في الانعتاق من شقاء العالم الأرضي وملامسة مطلق النقاء الذي لم يمسسه بشر أو لم يلوِّثْه بعد.”
“إنني أظن أن أفضل ما حصلت عليه في "كابادوكيا" هو إكباري لأعجوبة الإنسان وخلق الإنسان، ومن ثم الشكر والحمد لله العظيم خالق هذا الإنسان. فبقدر قسوة امتحان الإنسان في مواجهة الطبيعة الجبارة والزمان الأكثر جبروتاً من الطبيعة أودع الله في أشرف خلقه سراً عجيباً جعله يواجه وعيه بمصيره المتهافت والزائل بالانخراط في تغيير حياته الممكنة والتسامي بها روحاً ونشداناً للجمال.”
“عدم الدقة في المفاهيم ، كثيرا ما يقودنا إلى رفض لا أساس له ، أو قبول لا إمعان فيه . ومن ثم نجد أنفسنا واقعين إما في دائرة التعسف ، أو في حبائل الدجل . وحتى ننجو من هذا وذاك ، ونقف في الموضع الأفضل ، لا بأس علينا من بعض المراجعة.”
“معك يا " ناتاليا سيرجيفنا " يأخذ الحديث اتجاهاً آخر , يصير رحباً رحابة التناجى ما بين كائن إنسانى - بالمعنى الشاسع للكلمة - و كائن إنسانى مثله . يختفى ضيق المساحة التى لا تسع إلا رجلاً و إمرأة عندما تتدفق بيننا الأفكار .آه يا ناتاشا ( اسم التدليل من ناتاليا ) عندما تفاجئيننى ببكائك و أنتِ المرحة أبداً .آه يا ناتاليا من هذا الاقتراب المواسى الذى يضيّق المسافة بيننا .آه يا " ناتاليا سيرجيفنا " من هذا الصمت الذى يتجسد لنا فيه وجود الشعاع , فكأنه يدوم , ليصيبنا بالدوار !”