“وأعظم ما يتقرب به محسنٌ إلى الله، ويحسب أنّه بلغ من البر والمعروف غايتهما، أن ينفق بضعة آلالاف من الدنانير، في بناء مسجد للصلاة، في بلد مملوء بالمساجد ، حافل بالمعابد ، وفي البلد كثير من البائسين وذوي الحاجات ، ينشدون مواطن الصلات لا أماكن الصلوات”
“في أي كتاب من كتب الله ، وفي أي سنّة من سنن انبيائه ورسله، قرأتم جواز أن يعمد الرجل إلى الرجل الآمن في سربه ، القابع في كسر بيته ، فينزع نفسه من بين جنبيه ويفجع فيه أهله وقومه لأنه لا يدين بدينه ولا يذهب مذهبه في عقائده ؟”
“كتبت إليكِ كثيراً ، فلم تكتبي إليّ كثيراً ولا قليلاًَ ؛ لأنكِ تعتقدين ما يعتقده كثيرٌ من النساء من أن المرأة التي تكتب إلى حبيبها كتاب حب : آثمة أو غير شريفة ؛ أما انا فأعتقد أنها إن لم تفعل فهي مرائية مصانعة ، لأن المرأة التي وهبت قلبها هبة خالصة لا يخالطها شك وريبة ، لا ترى مانعاً يمنعها من أن تكتب لحبيبها في غيبته بمثل ما تحدثه به في حضرته .”
“فإنّ للمدنيّة شقاءً كشقاء الهمجيّة لا يختلف عنه إلّا في لونه وصبغته. فإنّ وقوف الإنسان في وسط ذلك المُزدَحم الهائل بين الجواذب المتخلفة، والدّوافع المتعدّدة، وحيرة عقله بين مختلف المذاهب والشّيع والآراء والأفكار يحاول كلٌّ منها أن يجذبه إليه ويسيطر عليه، ويستأثر به، وهو فيما بينها كالرّيشة الطّائرة في مهاب الرّياح لا تستقرّ في قرار ولا تهبط في مهبط، متعبةٌ عقليّةٌ لا قِبَلَ له باحتمالها، ولو أنّه كان أسيرًا في قوم متوحّشين، وقد شدّه آسروه إلى جذع من جذوع النّخل، وأخذ كلّ منهم بعضوٍ من أعضائه يجذبه جذبًا شديدًا ليمزّقوه إربًا إربًا، لكان ذلك أهون عليه من هذه الحالة الّتي لا يستطيع أن يتمتّع فيها بهدوئه النّفسيّ وسكونه الفكريّ كما تتمتّع السّائمةُ على وجهها في مسارحها ومرابعها، فلا يجد له بُدًّا من الفرار بنفسه إلّا حيث يجد نفسه ويظفر كيانه، ولا سبيل له إلى وجدان نفسه والعثور بها إلّا في مثل هذه الصّخرة النّائية المنقطعة الّتي يستطيع أن يجمع في ظلالها ما تفرّق من أمره، وتبعثر من قوّته، ويصغيَ في وسط ذلك السّكون والهدوء إلى صوت قلبه حين يحدّثه أصدق الأحاديث وأجملها عن الخالق والمخلوق، والحياة والموت، والبقاء والفناء، وطبيعة الكون وأسرار الخليقة، فيشعر بالرّاحة بعد ذلك العناء الكثير والكدّ الطّويل كالسّيل المتحدّر من أعالي الجبال، لا يزال يحمل في طريقه الأقذاء والأكدار، فإذا بلغ الحضيض استحال إلى بركة هادئة ساكنة يتلألأ في صفحتها الصّقيلة اللّامعة جمال السّماء وبهجة الملأ الأعلى.”
“أنا لا أقول إلا ما أعتقد, ولا أعتقد إلّا ما أسمع صداه من جوانب نفسي, فربَّما خالفتُ الناس أشياءً يعلمون منها غير ما أعلم, ومعذرتي إليهم في ذلك أن الحقَّ أولى بالمجاملة منهم, وأن في رأسي عقلاً أُجِلُّه عن أن أنزل به إلى أن يكون سيقةً للعقول, وريشةً في مهاب الأغراض والأهواء .”
“إنّه عارًا على التاريخ المصري أن يعرف المسلم الشرقي في مصر من تاريخ بونابرت ما لا يعرف من تاريخ عمرو بن العاص، ويحفظ من تاريخ الجمهورية الفرنسية ما لا يحفظ من تاريخ الرسالة المحمدية، ومن مبادئ ديكارت وأبحاث دارون ما لا يحفظ من حكم الغزالي وأبحاث ابن رشد، ويروي من الشعر لشكسبير وهوجو ما لا يروي للمتنبي والمعري”
“إن رأيت شاعرًا من الشعراء، أو عالمًا من العلماء، أو نبيلاً في قومه، أو داعيًا في أمته، قد انقسم الناس في النظر إليه وفي تقدير منزلته، انقسامًا عظيمًا وانفرجت مسافة الخلف بينهم في شأنه، فافتتن بحبه قوم حتى رفعوه إلى رتبة الملك، ودان ببغضه آخرون حتى هبطوا به إلى منزلة الشيطان فأعلم أنه رجل عظيم”